لا يختلف سعوديان، ناهيك عمن يعتبر السعوديين أعداء، أن شعبية الملك عبدالله في المملكة كاسحة، وغير مسبوقة؛ بل ويمكن القول، وكثير من الشواهد تثبت ذلك، أن شعبيته تخطت حدود بلاده، و وصلت إلى أرجاء العالم العربي والإسلامي؛ ففي مصر، أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان، يحظى هناك بشعبية واحترام وتقدير لا يوصف، ولم يسبق أن احتله زعيم عربي غير مصري على الإطلاق؛ وهذا ليس وقفا على أغلبية نخب المصريين ومثقفيهم، وإنما أغلبية عامتهم أيضاً؛ خاصة بعد أن وقف مساندا بكل ما يملك من قوة، وبنخوة العربي الأصيل، الذي إذا قال فعل، مع مصر (الدولة) في وجه عواصف ما كان يسمى حينها زوراً وبهتاناً (الربيع العربي)، التي كادت أن تعصف بهذه الدولة، ما اضطر أهلها أن يخرجوا بالملايين إلى شوارع مصر وميادينها، في موقف غير مسبوق، يقولون بملء أفواههم: (لا) لهؤلاء المتآمرين مع الأجانب، وبالذات أمريكا، وعملاء أمريكا في المنطقة، على (وجود) بلادهم، فانتفض - حفظه الله - مُلبياً صرخات استغاثتهم، ووقف معهم موقف الشهم القوي الوفي، الذي يهمه أن تبقى مصر وأهل مصر وقوة مصر، مهما كانت التضحيات؛ وها هي مصر تنطلق من كبوتها، وتتحرر من كابوس مخيف (مُتأسلم) كاد أن يخرجها من التاريخ.
ولأنه - حفظه الله - صادق، ويعي تماماً مسؤولياته، ومسؤولية الدولة التي يتزعمها، وكونها مهبط الرسالة المحمدية، وفي أرضها أهم بقعتين على وجه الأرض، الحرمين الشريفين، كانت التفاتته الأخيرة، والتي قالها بلهجة بلادنا المحكية، والمعبرة أدق تعبير عما يدور في صدره ، موجها الخطاب للمشايخ: ( ترى فيكم كسل وفيكم صمت، وفيكم أمر ما هو واجب عليكم. واجب عليكم دنياكم ودينكم، دينكم، دينكم. وربي فوق كل شيء).
ومن يرصد أوضاع المتأسلمين، وتصرفاتهم، وممارسات بعض الحركات الإرهابية، في العصر الحاضر، يدرك ما يعنيه حفظه الله؛ لقد تحول الإسلام على أيديهم من كونه دين رحمة، وتواد وتحاب وتآخٍ بين أبنائه، ودعوة بالتي هي أحسن، إلى عصابات قتل وذبح وتفجير واغتيالات وشلالات دماء، بل أصبح المتأسلم من هؤلاء (يُذكي) من يختلف معه كما تُذكى الشاة، ثم يفصل رأسه عن جسده، وهو يُكبر، ويتقاذفه مع أصحابه، بصورة تشير إلى الوحشية والهمجية في أبشع وأقبح وأحط صورها، والتي لم يعرف لها تاريخ الإسلام في كل عصوره مثالاً على الإطلاق.
صمت طلبة العلم، وعدم مواجهتهم لهؤلاء الأوباش المتأسلمين وثقافتهم الوحشية، وإيثارهم السلامة والسكوت والخنوع على مواجهة هذه العصابات المتأسلمة، هو ما قصده حفظه الله في حديثه؛ ومن عاد إلى تاريخ الحركات المتمردة والمتأسلمة ، وجد أن مثل هذه الحركات المتوحشة - وإن لم يصلوا إلى ما وصل إليه هؤلاء من التوحش والبربرية - ظهرت في بعض فترات التاريخ الإسلامي المأزومة، وقد تصدى لهم حينها أول من تصدى (العلماء والفقهاء)؛ وكان هذا (التصدي) الجاد والشجاع والحازم، هو ما طوق هذه الثقافة الدموية المتوحشة، وحاصرها في مهدها حتى انتهت، ولم يعد لها وجود فعلي إلا في صفحات التاريخ.
ومن أراد التوسع حول هذه النقطة، فليقرأ تاريخ الحوارات والنقاشات التي دارت بين (نافع بن الأزرق) وعلماء عصره؛ فقد كان هذا الرجل هو أول (إرهابي) حقيقي عرفه التاريخ الإسلامي؛ وإذا نظرت إلى تاريخه، وممارساته، تيقّنت أن الإرهاب والإرهابيين، وداعش والقاعدة، كان هذا الرجل وفرقته مرجعهم الأول، ومنهل ثقافتهم وتصرفاتهم ودمويتهم. ولك أن تتصور لو أن ابن الأزرق هذا خرج في عصرنا، لا في عصر السلف، لتعامل معه واستثمره وحماه (البيت الأبيض) في أمريكا، لانه ببساطة يُحقق لهم، وبأسلوب نموذجي، ما يريدونه من سياسة (الفوضى الخلاقة)، التي اعتمدوها ومازالوا يُصرون عليها في المنطقة، والتي تئنُّ من تبعاتها سوريا والعراق وليبيا، وكادت مصر أيضاً أن تقع في حبائلها.
وختاماً، يجب أن يدرك مشايخنا، كبارهم وصغارهم، وعاظهم ودعاتهم، أن الحياة أخذ وعطاء، فبقدر ما تأخذ يجب أن تُعطي؛ وأن العالم والفقيه (الجبان) والكسول الذي وجد أن المشي (تحت الحيط) يُحقق له السلامة والنجاة، وأن المشي في وسط الطريق قد يورث له المتاعب، وربما يكلفه حياته، قد انتهى زمنه و ولّى؛ فإما أن تكون معنا ومع استقرار وأمن الوطن، وتتحمل تبعات وضرائب هذا الموقف، وإلا دع غيرك ممن هم أشجع منك يتولى إنقاذ الإسلام ومعه وطننا من هؤلاء المتأسلمين الدمويين وتنظيماتهم وخزعبلاتهم وفتنهم؛ فلا مكان للكسالى والجبناء والمتخاذلين بعد اليوم.
إلى اللقاء.