الغرب بعد أن قبلت إسرائيل المبادرة المصرية حول قصف غزة من قبل الإسرائيليين، ورفضتها حماس، يقفون مع إسرائيل، لأنها تريد وقف إطلاق النار، بينما الحماسيون يرفضونه، أو هكذا يبررون.
أما العرب فيشجبون، وينددون بوحشية الصهاينة، وبعدوانيتهم ودمويتهم، ويتبادلون فيما بينهم صور الضحايا، ولا ينتهون من شكوى إلى مجلس الأمن، إلا ليبدؤوا شكوى جديدة، والفيتو الأمريكي لأي قرار يدين إسرائيل بالمرصاد، ومع ذلك لم تزد تلك الاحتجاجات بمختلف أشكالها إسرائيل إلا تعنتاً وإصراراً على مواقفها العدوانية.
قضية فلسطين طوال ستين عاما هي حجة من لا حجة له، وشرعية بقاء من لا شرعية له، سواء كان نظاماً أو حركة.
عبدالناصر قال إنه سيقذف بالصهاينة في البحر، ويُحرر فلسطين، فجعل منه العرب فارسهم الأول، وانتظروه طويلاً ليفي بوعده وذهب ولم يعد ، فأبّنه شاعر العرب الأول «نزار قباني» بقصيدة (عصماء) مازال العرب يتذكرونها حتى اليوم، فتتمايل رؤوسهم نشوة وطربا ؛ يقول فيها:
دخلت على تاريخنا ذات ليلة
فرائحة التاريخ مسكٌ و عنبرُ
وكنت وكانت في الحقول سنابلٌ
وكانت عصافيرٌ وكان صنوبرُ
حصانك في سيناء يشرب دمعه
ويا لعذاب الخيلِ إذ تتذكرُ
رفيق صلاح الدين هل لك عودة
فإن جيوش الروم تنهي وتأمرُ
وانتهت مراسم التأبين، ولم يعد لا الفارس، ولا صلاح الدين، ولا الحصان، ولا العصافير، ولا المسك والعنبر، ولا الأرض السليبة !
صدام.. هدد إسرائيل بأنه سيقصفها بالكيماوي المزدوج كما كان يسميه، فصفق له العرب من المحيط إلى الخليج، وقالوا: إنه الرجل الذي إذا قال فعل، وفي النهاية (أجحر) في سرداب تحت الأرض، جاءه فيه الأمريكيون، وأخرجوه منه، وقبضوا عليه، وقيدوه، وانتهى البطل المفبرك إلى الموت الزؤام الذي كان يفر منه، ويرمي في أتونه أهله وذويه ومن اختلف معه من شعبه، حتى أقرب المقربين إليه.
حافظ الأسد جعل من تحرير فلسطين جواز سفر، مر به من على ظهر دبابة في ليلة كالحة السواد، وهو في طريقه لحكم سوريا، غير أنه مكّن لطائفته، ولأهله وذويه، فاكتشف السوريون و من وراءهم بقية العرب (متأخرين) أن قضية فلسطين، وتحرير الأرض المسلوبة، مجرد خدعة،ـ يشغل بها شعبه ومعهم بقية العرب، فبقي في عرش سوريا إلى أن مات، وأورث الحكم من بعده لولده، فمارس الوريث ما كان يمارسه مورِّثه، ولم يتحرر شبر واحد من الوطن السليب.
جاء ملالي إيران إلى السلطة في إيران، ولديهم أحلام وآمال أن يكونوا الدولة المهيمنة على المنطقة، ويعيدوا «كسرى أنو شروان» إلى الحياة، ويلبسونه عمامة سوداء، ثم ينصبونه على العرش الذي فقده قبل أربعة عشر قرناً. فسلكوا الطريق الذي سلكه من سبقهم من الانتهازيين، ليغرروا بأصحاب الغفلة من دهماء العرب، ويلحقوهم بجحافلهم مناصرين، بحجة أن الولي الفقيه، وعملاءه في لبنان، هم من سيعيدون الأقصى ويحررون القدس، أولى القبلتين، وثالث الحرمين، إلى العرب والمسلمين، فأصبح (عميل) الولي الفقيه في لبنان الملا «حسن نصر الله» هو فارسهم الذي لا يشق له غبار، ولا يكبو له جواد، فدبّجوا فيه القصائد العصماء، وصفقوا لخطبه التي كانوا ينتظرونها على أحر من الجمر، إلا أنهم (صحوا) ذات ليلة فإذا هو وجنوده ومعداته يتجهون إلى دمشق لا إلى فلسطين، يقتلون الثوار السوريين بدم بارد.
جماعة (الإخوان المسلمون) ركبت المركب ذاته، واحتجت على التفريط بالأرض السليبة، ففلسطين وقف إسلامي لا يمكن حتى لأهل فلسطين أن يفرطوا فيه، ولا بد أن يأت «صلاح الدين» آخر، ويحررها، كما حررها ذلك البطل يوماً ما من جحافل الصليبيين الغزاة. غير أنهم فشلوا، كما فشل غيرهم، لكنهم أحيوا بدماء شهداء غزة، ودماء نسائهم وأطفالهم، تعاطف البسطاء والسذج مع حركتهم الأم، فهم أتوا لغاية أخرى، لا تختلف عن غايات وأهداف من سبقوهم، إنها خدمة جماعة الإخوان، ولتذهب غزة وأهل غزة إلى جحيم الصهاينة، وهذا ما يحدث الآن، ودعك من جعجعات المزايدين والمضللين.
وبعد. لن يُحرر فلسطين إلا السلام، ولا شيء غير السلام..
نعم، الإسرائيليون لا يريدون السلام، ويفضلون الحرب، لأنها ورقتهم الرابحة، وبها يتفوقون على الفلسطينيين، ولكن العالم من أقصاه إلى أقصاه، يكره الحروب، ومآسيها، ويقف مع السلام، وسيضطر من يقف مع إسرائيل، وبالذات حكومات الغرب، أن يقفوا مع أهل فلسطين مرغمين لا مختارين إذا ما جنحوا للسلم، مثلما وقفوا بالرغم عنهم - أيضاً - مع «مانديلا» في جنوب أفريقيا، إذا وحدوا صفوفهم وكلمتهم، واتجهوا بجميع فصائلهم إلى السلام.
هذا هو الخيار الوحيد حتى وإن كان مذاقه عند (إعلام المجعجعين) كالعلقم.
إلى اللقاء.