لو كان لي أن أختار سبباً واحداً لظاهرة الإرهاب لأخترت قضية فلسطين، ولجعلت تكرار المشاهد المؤلمة لجثث الأطفال والنساء العرب بسبب العدوان الصهيوني المحرض الأكبر لتصاعد تلك الظاهره منذ كامب ديفيد، فالإخفاق العربي في كبح جماح هذا المارد المستوطن لأراضيهم خلق حالة من السخط بين الشباب العربي والمسلم، وأصبح يبرر التمرد على النظام الأبوي الحالي في البلاد العربية.
بعد عام النكسة في 67 بدأت نبرة العودة للجذور الإسلامية لمواجهة العدو، فكانت دعوة التضامن الإسلامي التي قادها زعماء سياسيين، وكان اختيار شهر رمضان المبارك في حرب 1973 فيه دلالة رمزية لتلك العودة التاريخيه لإحياء الدور الديني بعد فشل القومية العربية في وقف سياسة التوسع الصهيونية.
وأصبحت نداءات الله أكبر بعد العبور إعلاناً أن الدين عاد للمواجهه ضد الصهانية، وبدأت منذ ذلك الحين إستعادة النصوص الدينية التي تعد بالنصر ودخول القدس مرة أخرى والصلاة فيها، مثلما دخلها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، ومثلما خلصها من الفرنجة القائد صلاح الدين.
كان استدعاء صلاح الدين الأيوبي في المناهج التعليمية جزءاً من المعركة التي تخوضها الأمة ضد المحتل الأجنبي للأراضي المقدسة، والذي وحد الأمة بالقوة، ثم وجهها لتحرير القدس من الغزاة، وكان صعود ظاهرة الصحوة الإسلامية امتداد لذلك التغيير في إستراتيجية العمل ضد الصهاينة، وما صاحبها من دعوات للجهاد، وأمنيات بتحرير الأراضي العربية، وبالصلاة في الأقصى، كما كان انتصار الثورة الدينية بعد ذلك في إيران عاملاً في إزياد نبرات العداء لإسرائيل.
أيضاً ساهمت اتفاقية كامب دافيد شرارة إنطلاق الفكر الإسلامي الجهادي، في وقت كان الموقف العربي والإسلامي حازماً ضد اتفاقيات كامب دافيد، والذي أخرج مصر من معادلة المواجهه ضد العدو، لكنها زادت من وتيرة التفكير من خلال الحل الديني، وعبر إعلان فكرة الجهاد السياسي، وكان الرئيس محمد أنور السادات أول ضحايا التيار الفكري الغاضب من فكرة الاستسلام للدولة الصهيونية.
كان الجهاد الإفغاني الذي تم تحت رعاية أمريكية وعربية البرنامج الأشهر وغير المعد سلفاً لإطلاق الحل الجهادي لقضية فلسطين، ولإعلان برامج المواجهه مع الغرب المؤيد لدولة إسرائيل، فكانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر المحطة الأولى في المواجهة بين أنصار التيار الجهادي وأمريكا الحليف الأقوى للدولة الصهيونية، وأصبح مقتل ابن لادن لاحقاً يوماً تاريخياً لخروج الفكر القاعدي من المركزية والقيادة الموحدة.
ما يحدث الآن في العراق وسوريا، وما يحدث في البلاد العربية من تطرف ديني، تحول إلى ظاهرة إرهاب سياسي وديني لا يمكن فصله عن تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وعن الفشل العربي في إسترجاع الحقوق العربية في الأراضي العربية، وعن رفض دولة إسرائيل لمشاريع السلام العربية، ثم استمرارها في توسيع الاستيطان تحت شعار «الموت للعرب».
ساهم في ذلك دخول دولة إيران الدينية في خط المواجهه، ومن ثم مساهمتها العسكرية والمالية في دعم حركات المقاومة، ثم توظيفها لخدمة أهدافها الطائفية، ولم يجد التدخل الإيراني صعوبة في أداء ذلك الدور بسبب إنسحاب بعض دول المواجهة من مساندة المقاومة الفلسطينية ضد المحتل، ساعدها في ذلك مساهمتها الناجحه للمقاومة في لبنان لطرد الصهاينة من الجنوب، ورفض دولة إسرائيل للمشروع العربي الرسمي للسلام.
باختصار، دولة المواجهه العربية أمام مأزق تاريخي، تدور رحاه بين تيارين أحدهما العدو الصهيوني وكبرياءه وإصراره على قتل العرب وإخراجهم من أرض فلسطين إما بالتجويع أو القتل المباشر، وبين تيار صاعد يؤمن أن الإرهاب السياسي والديني والغضب هو الطريق الأمثل للخروج من عار الهزيمة، وأن الحلول للأزمة الحالية مع الغرب لا يجب أن تحكمها الأخلاق أو الاتفاقات الدولية أو السلم الوطني، ولا بديل عن الحل الراديكالي الذي يوحد الأمة بالقوة ضد قوى الإستعمار المحتلة للأراضي العربية المقدسة.
عوداً على بدء، لو كان لي أن أختار سبباً واحداً فقط خلف تنامي شعبية ظاهرة الجهاد الإسلامي في الآونة الأخيره لاخترت الصمت العربي عن تصريحات الصهيوني نتنياهو أن دولاً عربية مجاورة لإسرائيل تؤيده في حرب الإبادة على غزة.