لن يكون العيد بأحسن حال مما سبقه، إن لم يكن أكثرها تعاسة وبؤساً على الشعوب العربية؛ فالأحوال لا تسر، والأوضاع تنذر بما هو أسوأ في قادم الأيام؛ فالكراهية والأحقاد والجهالة تتحكم في العقول العربية، ولم يعد عندي ما أقوله عن الحال العربية البائسة، واخترت في هذا العيد أن أخاطب المستقبل، وأن أكتب إليه عما يجري على الأرض العربية؛ لعل وعسى أن تتبدل أحوالنا بما هو أحسن في المستقبل المنتظر.
أكتب إليك أيها المستقبل عن زمن الهزائم العربية، أكتب إليك عن زمن الإخفاق والنكسات والنكبات والحروب الأهلية، وعن جثث الأطفال والنساء تحت الأنقاض، وعن تدمير المنازل العربية، وأكتب إليك عن زمن البراميل المتفجرة، وعن حرق المساجد وهدم الكنائس، وعن زمن داعش والتطرف الطائفي وانقسام المجتمعات إلى أنداد وأضداد وأعداء، أكتب إليك لأخبرك أن أمتي العربية في طريقها للتمزق إلى دويلات أصغر، وإلى مكونات تحكمها الطائفية والعرقية.
أكتب إليك في يوم عيد الفطر من عامنا هذا لأخبرك أنه تم الإعلان عن دولة اسمها داعش في شمال العراق، تقدم نفسها على أنها دولة الخلافة الإسلامية المنتظرة، التي ستعيد المجد الضائع في التاريخ العربي القديم، أول قراراتها كان خيانة لأهم المواثيق الإسلامية، بعد أن قررت أن تطرد المسيحيين العراقيين، وأن تهدم كنائسهم، وتسرق أراضيهم التي يسكنون فيها منذ عشرين قرناً..
فقد نقض الخليفة المتوج في الموصل العهدة العمرية التي أعطت الأمان للنصارى وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقمها وبريئها وسائر ملتها.. وأنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من حيِّزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم. أكتب إليك لأخبرك عن العراق، وأنها اقتربت من أن تتقسم إلى ثلاث دويلات، أحدها للشيعة العرب، وأخرى للسنة العرب، ودولة ثالثة للأكراد، بعد أن فشلت دولة المحاصصة الطائفية. وأكتب إليك عن الحاكم العربي الذي قرر أن يرمي شعبه بالبراميل المتفجرة، ثم يعلن فوزه بالانتخابات بنسبة تقارب 90 %، في حين يسكن نسبة عالية من مواطنيه إما في الملاجئ خارج حدوده، أو تحت أنقاض المنازل.
أكتب إليك عن آخر إنجازات العرب، فقد استطاعوا أن يحققوا الرقم القياسي في ظهور أكبر سجن مفتوح في تاريخ البشرية، بعد أن تمت محاصرة غزة من مختلف الجهات، ثم تركها فريسة للعدوان الصهيوني وقنابله ومتفجراته وطائراته ودباباته، وأكتب إليك عن لحظة صمود تقوم بها المقاومة العربية في غزة، وعن بسالة نجحت في أن تجرح بعض كبرياء الدولة العبرية.
أكتب إليك عن ظهور جديد لمحاكم للتفتيش في الواقع العربي، وعن قانونها الأوحد «إن لم تكن معي فأنت ضدي». أكتب إليك عن ثورة الشك السياسية، وعن ظاهرة الإقصاء التي وصلت إلى أن تكون وباء قاتلاً لكل مقومات المواطنة والتنوع والتعددية..
أكتب إليك عن ثورة ليبيا التي نجحت في التخلص من الديكتاتور الأشهر، لكنها سقطت بعد ذلك في مستنقع الحرب الأهلية، وعن اليمن التي تكابد الجوع والمرض والموت والحرب، وأكتب إليك عن الحرب الأهلية في الصومال، التي ما زالت تطحن أجساد الصوماليين بين رحاها منذ قرنين من الزمان، وعن السودان الذي أصبح دولتين، وأكتب إليك عن المظاهرات في بعض دول الخليج، وعن الفتنة الطائفية التي كادت تعصف بدولة البحرين.
أكتب إليك من الرياض عاصمة الاستقرار في المنطقة العربية، فهل أخبرتني عن أحوال العرب في زمنك، وهل تبدلت أوضاعنا؟ وهل توقفت حروبنا الأهلية؟ وهل انتصرنا على الأمية والطائفية؟ وهل أصبح الاستبداد قصة منسية؟ وهل زالت إسرائيل عن الوجود؟!.. أخبرني، فقد تعبت من متابعة نشرة الأخبار العربية.