نشرت الصحف السعودية موافقة خادم الحرمين الشريفين على تشكيل مجلس رئاسي لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، والمجلس المشكل سيتولى إدارة المركز واختيار المتحدثين وإقرار موضوعات المؤتمرات، ولن يشهد حواراً فكرياً بل سيكون مجلساً إدارياً يُنظم الحوارات الفكرية ويضمن تمثيل كل الأطياف، ويلامس الاحتياج الاجتماعي والثقافي للحوار والتواصل، وليكون كل ما يطرح من أجل الوطن ومواطنيه في المقام الأول.
كل الأسماء التي تم اختيارها من أهل الكفاءة علمياً ومن الفاعلين في الشأن العام، ولست في موقع تقييم أحد منهم، ولكن السؤال الذي أطرحه هل يستطيعون الفصل بين المواقف والآراء وبين الواجبات الإدارية والإشرافية التي ستنتج حواراً وطنياً راقياً؟
نحن نعيش في مرحلة ازدادت فيها الحاجة للحوار، ربما أكثر بكثير من المرحلة التي تأسس فيها هذا المركز الهام، لأن هناك من قسم المجتمع الى تيارات متصارعة، وهناك تطرف مزعج، بل تطرف قاتل نعاني منه، وفي أجواء الضجيج والضوضاء التي أحدثها التطرف ودعمها التخلي عن آداب الحوار الذي يعكس أزمة أخلاقية، تضاف إلى تقديم مصالح أخرى على المصلحة الوطنية، أصبح الحوار ضرورة، ويجب ألا يستثني أحداً وينطلق من أساسات ثابتة دون مؤثرات ولا إملاءات، وأن يبتعد القائمون على المركز عن الانتقائية والفردية، وهذا ما نظنه ونتوقعه منهم.
ورغم أن من يتولى إدارته التنفيذية شخصية وطنية تحظى بالاحترام وهو معالي الأستاذ فيصل المعمر، ونعرف عنه مهاراته الإدارية وثقافته الواسعة وتواصله مع الجميع، إلا أن المركز لا يزال أسير الخطوات الأولى الرائدة، ولم يتعدها إلى الأفضل والأكثر تفاعلاً مع المجتمع، بل ربما يرى بعضهم تراجعاً في التأثير الاجتماعي، وحتى في نوعية الحوارات والضيوف، وكأنه أصبح لقاء سنوياً رتيباً يقام لرفع العتب -إن صح التعبير-، وهنا لا ألوم الأستاذ فيصل وحده، فهو يتحمل مسؤوليات كثيرة ومكلف بملفات مختلفة، واللوم الأكبر يقع على تنفيذيين يتعاملون مع المركز وكأنه دائرة حكومية بيروقراطية.
مؤتمرات الحوار يجب أن تؤسس للفعل، ولا تكون مجرد ردة فعل، ويجب أن تغرس قيم الحوار بأسلوب يقبله المجتمع، وأن تبتعد عن النخبوية، وبذات الوقت لا تنساق خلف جهالات وبذاءات الجهلة ومحدودي الثقافة الذين من واجب المركز ومؤتمراته الارتقاء بهم. لا فائدة من حوار لا يحترم فيه المتحاورون آداب الحوار، ولا الحق في الاختلاف، ويجب على من يجلس على كرسي الحوار الوطني أن يعرف بأن رأيه لا يمكن فرضه على أحد، وأن كل متحاور له الحق في طرح رأيه بحرية دون وصاية.
مركز الحوار الوطني يجمع كل السعوديين ويحمل اسم مؤسس الدولة وموحدها، ويلقى رعاية صاحب فكرة تأسيسه ورائد الحوار عالمياً والدنا الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يجب أن يكون المركز على قدر الاسم العظيم الذي يحمله وعند تطلعات الرجل العظيم الذي أسسه، ويلبي طموحات شعب يتطور فكره وتتزايد التحديات أمامه، ويريد الحفاظ على مكتسباته، والحوار هو المسار الآمن لحماية حاضره ومستقبله بإذن الله، والأمانة ثقيلة على من تسلموا مهام المركز، والثقة الملكية بهم نتمنى أن تكون دافعهم لتحقيق حوار وطني يرتقي بالوطن وينفعه ويحافظ على استقراره، بعيداً عن الارهابيين وجماعاتهم الفاسدة والمفسدة.