هم مجاميع مجهولة ملثمة ومقنعة ومسلحة نراهم مدجّجين بكل أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة من العربات والبنادق والقنابل والصواريخ وحتى السيوف المصقولة وغير المصقولة، عقولهم ملوثة بالفتنة ولون الدم والنسف والهدم والحرق والخراب، يحصدون الأرواح بالجملة دونما تمييز بين كبير وصغير ومُقعد ومريض وصبي وامرأة، هم يرون في قتل الناس المعتقدين بغير اعتقادهم والمخالفين لهم حياة سعيدة، بل بطولة وشرا يجب أن يزال، وتذكرة لدخولهم الجنّة، ثقافتهم الدم والبارود، والنتيجة دولاب يومي دام لا مكان فيه للرحمة والحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، يموت الناس، تهرق الدماء، تهدم المباني، تحرق الحقول، تقفل المدارس، تتعطل المستشفيات والمصانع ومنشآت الإنتاج ودور الإيواء والبر وجمعيات الخير، يتيه الناس، تضيع معالم الحياة،كل ذلك لا يهم عندهم، ما يهمهم هو التدمير والحرق والنسف والإبادة، هذه الأعمال تتوزع بينهم بالتساوي، يوم لسوق مزدحم، وثان لجسر، وثالث لمحاضر جامعي، ورابع لعالم جهبذ لم يعد عندهم وجوده ضرورة، وخامس لتاجر، وهكذا دواليك مميتة، هؤلاء هم «الدواعش» المغول الجدد بحللهم المزركشة بالرماد، وكهفية تفكيرهم، وحجرية أعمالهم، وتاريخهم المختلط باتجاهات الدم كله، قديماً لوّن المغول دجلة بلون الحبر، لكن معاصروه من «الدواعش» سيلونوننا إن تمكنوا بلون الدم، سيجعلون حياتنا بلا حياة ولا حساب ولا أرقام ولا تطلع ولا بناء ولا عمل، سيحوّلون أمكنتنا بلا معالم، وزمننا من دون فصول، وسيجعلوننا أمة بلا أجيال، سيموت أطفالنا قبل أن يكتبوا أسماءهم على السبورة، سينوعون الموت عندنا ويشعبونه ويلونونه، سيجعلوننا نعيش بين الموت والموت موت، وبين التفجير والتفجير تفجير، وبين الدمار والدمار دمار، سيجعلوننا نحفظ لون الدم، وشكل الخراب، وهيئة الفناء، هذه ليست هذه نبوءة، ولا حكاية من حكايات العرافين لقراءة طالع، ولا ظاهرة جغرافية طارئة قد تختفي بتغير الفصول والمواسم، أو تتلاشى بتحسن عوامل الطقس وتبدل الظروف المناخية، ولا هي رسالة تحذيرية عابرة من رسائل أصدقاء البيئة، إنما هي كارثة حقيقية مفزعة إذا ما جاءت إلينا لا سمح الله ولا قدر، وفاجعة مأساوية تهدد ملامح حياتنا ومقوماتها في المدن والأرياف والسهول والوديان والقرى، كارثة محدقة بنا تؤكدها المعطيات والاستنتاجات العقلية والمنطقية والسياسية، إذا ما جاء هؤلاء المغول الجدد لا أتبهم الله، سنستيقظ من سباتنا ذات صباح لنكتشف أننا أصبحنا بلا ماء، ولا كهرباء، ولا أشجار، ولا حراك، ولا عموم حياة، لذا علينا ألا نختار الوقوف على التل ونتفرج، بل علينا التصدي لمخططات هؤلاء المغول الجدد الذين يخططون ضدنا وفق أبشع جرائم التجفيف والتحريف والتجريف والإزالة، وأخيراً أقول: إن من يحب وطنه ينبغي ألا يتأخر في الذود عن أشجاره ومائه وبيده وإنجازاته وسلامته، ومن يحب وطنه ينبغي أن يصون ممتلكاته ويحمي موجوداته بكل الوسائل والأساليب والطرق المتاحة وغير المتاحة، فالذي يولد زاحفا لا يمكنه التحليق والطيران، والنجاح في المهمات الصعبة جبل وعر لا يمكننا تسلقه نحو القمة وأيدينا في جيوبنا.