* الكل يتوق إلى التغيير والتطوير، ويعده سنة من سنن الكونية في هذه الحياة، لكن ليس بهذا الأسلوب الفوضوي المتسارع الذي تنسف فيه القيم والمبادئ، والعهود والمواثيق، حيث تستحل الدماء، وتستباح المحرمات، وتنتهك الحقوق العامة والخاصة، وتخلق نوعا من الصدام بين الثقافات والحضارات، بل وحتى بين الأجناس البشرية بصرف النظر عن منتماها.
* من يستعرض تاريخ الفكر الأوربي الحديث والمراحل التي مرت به بلدان أوربا يجد أن التغيير استلهم مبادئ فلسفية قيمة تبناها منظرو أو مفكرو تلك المرحلة كحركة مضادة ومناهضة لما كان يعتقد أنه من الثوابت لدى الشعوب الأوربية في عصور الظلمات، حين كان للإقطاعيين ورجال الدين في الكنيسة صوتهم المسموع، حيث كان من صور الثورة أو التمرد الفكري حينذاك دعوة الشعوب إلى التحرر من أي انتماءات عرقية، أو جنسية، أو مذهبية، أو عادات وتقاليد متعارف عليها وما من شأنه إثارة العنصرية وبعث الأحقاد بين البشر، والإيمان بما تثبته العلوم التجريبية واتخاذها هاديا وموجها للشعوب في كل ميدان من ميادين الحياة .وبعد زهاء قرن، أو يزيد، وذهاب الرواد، سواء كانوا من الأصوليين، ومن يسمون بالمحافظين، أومن قادوا حركة التنوير تغير وجه الحياة في القارة الأوربية، ووصلوا إلى هذه المرحلة المتمدنة التي يعيشونها، ويعدها الكثير إحدى النماذج الرائعة الحديثة التي تستهوي منظري هذا العصر ممن يستشرفون مستقبلا أكثر تفاؤلية وانسجاما بين البشرية.
* قد تختلف في الأدوات، أو أساليب التغيير المطروحة، لكننا اليوم وفي بلدان الشرق الأوسط تهب علينا رياح التغيير بتلك الدوافع والمنطلقات والأهداف، استوعبنا ذلك أو لم نستوعب، صدقنا، أو كذبنا، تلاءمت مع طبيعتنا أو لم تتلاءم، اصطدمت بثوابتنا، أو لم تتصادم، الشيء المؤكد أنه أتيح للقائمين على مراكز البحوث والدراسات الغربية، وعبر أكثر من وسيلة مهنية تشخيص واقع بلدان الشرق الأوسط، والعوامل المؤثرة فيها بدقة، وطبيعة تكوينها، ومكامن القوة والضعف فيها، وآلية كيفية صناعة القرار في إدارة شوؤنها، فانطلقوا من كل ذلك، يدعمهم فكر سياسي، وقوى ضاربة في القوة، متفقة على كثير من الأهداف والغايات.
* تهيأت المجتمعات، والتحقق من مدى قبولها أو رفضها لهذا المشروع، ومدى استعدادها للتعاطي معه بإيجابية. من الطبيعي أن يؤخذ بالحسبان لكن ليس من الضرورة أن يكون ذلك بشكل مطلق، فالتغيير تصنعه القوة، والفوضى الضاربة في كل اتجاه ستنتج مجتمعا يقبل ذلك، طال الزمن، أو قصر، فالدول أمام أمر واقع، كيف ستتعاطى معه ووتتعامل، هذا ما سيكشفه مستقبل هذا الصراع الذي يدور رحاه في أكثر من قطر من إطار دول العالم العربي.
* الآن كثير من دول الشرق الأوسط تقوم بإصلاحات كبيرة وجذرية، في أنظمتها السياسية، والقضائية، والاقتصادية، والاجتماعية لكن الإصرار على السرعة في التغيير، وأحيانا السعي، أو محاولة إعاقة أو إرباك مشاريع الإصلاح من بعض القوى هو ما يضع الدول في مأزق مع شعوبها من جهة، ومع القوى العالمية التي تختلف دوافعها من جهة أخرى.
* يجب أن نعي ندرك تمام الإدراك على أهمية التعاون مع الحكومات في مشروعاتهم الإصلاحية الكبيرة الجادة وأن نفوت الفرصة على كل من يريد أن ينتهز مثل تلك الظروف لهد ماتم بناؤه في عقود من الزمن، فالإصلاح النابع من الداخل، والنابع من القناعة الذاتية للمجتمع داخليا أفضل بكثير من ممارسات خارجية قد لا نتفق مع بعض منطلقاتها بأي حال من الأحوال، ومهما كانت النتائج .ولدينا من الإمكانات المادية، والقوى البشرية ذات القدرات العالية التي بإمكانها أن تساهم مع الحكومات في بناء منظومة الإصلاح الداخلي الذي لا يصطدم كذلك مع التوجهات العالمية، بل يستثمر ما يعتقد بإيجابيته، والتقائه بمصالح الدول، والحكمة ضالة الإنسان أنى وجدها لزمه الأخذ بها.