* ليس من الغريب أن نجد من بيننا من ينزع إلى الاغتراب في الفكر والشعور، وليس من الضرورة أن يُفهم كل ما في دواخل النفس لدى الإنسان من جميع الفئات. يأتي زمن تتغير فيه المعايير وتتبدل، وها نحن نعيش جزءاً من تاريخ ذلك الزمن، من يمتلك الشجاعة والغيرة ويتفرد،ليصغي بوجدانه لهذا النداء دون غيره؟
أيطربكم من جانب الغربِ ناعبٌ
ينادي بوأدي في ربيع حياتي
ولدت ولما لم أجد لعرائسي
رجالا أكفاءً وأدت بناتي
سقى الله في بطن الجزيرة أعظما
يعزّ عليها أن تلين قناتي
* لا لليأس، فالتاريخ بجميع مراحله لا يخلو من رجال يمتلكون والإرادة والقدرة على التغيير، بالفعل كم نحن بحاجة في تعليمنا إلى يقظة فكرية, إلى تلك العزيمة القادرة على البعث والنشر، تلك العزيمة التي تمتلك الجرأة على تحطيم تلك الأغلال التي لم نستطع الاقتراب منها.
* لعقود طويلة تجاهلنا أهم مقومات الفكر والثقافة والحضارة، لا أدري، لماذا لم نلتفت إلى ذلك المصدر والمعين الثر الذي بنينا عليه التراكم الثقافي الذي سادت به الحضارة العربية والإسلامية ما شاء الله أن تسود؟. اختطفت اللغة من أفواهنا، ومن قواميسنا التعبيرية، ولم يثأر لها أصحاب الميادين، بل ثأر لها (مصطفى صادق الرافعي) ومن سار على نهج مدرسته حين قال:
وأيّما لغةٌ تنسي امرأً لغةً
فإنها نكبةٌ من فيهِ تنسكبُ
فهل نضيع ما أبقى الزمان لنا
وننفض الكف لا مجدٌ ولا حسبُ؟
* استشعر (الرافعي) خطورة الموقف، وسوء المصير الذي ينتظر أمةً فرطت في أعظم ثروة تمتلكها، فراح يصل خواطره الشعرية بمثل قوله، وهو يستنهض همة مجتمعه (ما ذلت لغة شعب إلا ذل، ولا انحطت إلا كان أمره في ذهاب وإدبار... وإذا أهمل شعب لغته وتراخى في استعمالها، وترك اللغة العامية تسيطر عليها، وآثر غيرها عليها فإنه شعب ضعيف في تكوينه... وإذا انقطع الشعب من نسب اللغة انقطع من نسب ماضيه..)
* لن أجد ذلك الحرج حينما أقول: إن بدء تراجع التعليم كان منذ تخلينا تدريجيا من حيث لم نشعر عن هويتنا القومية التي تعد لغتنا الفصيحة إحدى مفرداتها، إذ كانت هي المدخل، أو البوابة الخفية للانسلاخ من الهوية.
*اليوم، لم يكن للأمير (خالد الفيصل) العذر وقد تربّع على عرش التعليم، وأمسك بزمام التربية والمناهج، وأصبح ما يدور في قاعات الدرس من أساليب وطرق تدريسية تحت إشرافه، لم يكن له العذر! فراح ينادي بالحلم الذي راوده زمنا كما راود غيره من الغيورين على (اللغة الفصيحة)، ليقرر عودتها إلى قواميس المتعلمين في الفصول، بعد أن فرطوا فيها، ولم تجد من ينتصر لها ذلك الانتصار الذي يليق بها.حيث تمسك من يدعي الغيرة بالقشور في المشروع الإصلاحي المزعوم، وتركوا اللبّ دون أن يُلقوا له بالا.
* قد لا يعرف الكثير اهتمام الأمير (خالد الفيصل) بهذه الثقافة ومكوناتها حينما شرع ومعه نخبة من مثقفي العالم العربي، قبل أكثر من عشر سنوات في تأسيس (مؤسسة الفكر العربي) التي اتخذت من (بيروت) مقراً لها، وبرئاسة سموه. هذه المؤسسة التي جاهد في إنشائها، رغم ما اعترض المشروع التنويري من عقبات وإسقاطات ربما تكون تلك الإسقاطات بسبب نأي المؤسسة عن الارتباط بأي توجهات حزبية، أو فكرية معاصرة، كان ذلك في وقت تحاول فيه بعض الفئات محاولة عدم تمرير أي مشروع ثقافي إلا وفق رؤيتها وأجندتها.
*اليوم، وحينما تواتي الفرصة للأمير كانت العودة وبقوة إلى تحقيق بعض أهداف المؤسسة من خلال مؤسسات التعليم التي تعد المنطلق الأساس والقاعدة الصلبة لثوابت الأمة ومبادئها وقيمها وأخلاقها، إذن لنبدأ بالعودة إلى (اللغة العربية الفصحى) بوصفها أحد مقومات الوحدة، أو النهضة المأمولة.