المتابع للحوارات والتغريدات في شبكات التواصل الاجتماعي، يلاحظ نمو ظاهرة الجدال والحوارات الساخنة حول ما يجري في الساحة المحيطة بنا والتي تخرج أحياناً عن إطار الكياسة واللباقة وما يصاحب ذلك من تخندق البعض فكرياً في خندق طرف من أطرف الصراع وبناء على ما يكون من تصور حول الصراع، يتبنى فكراً معادياً لأي من الأطراف المناوئة لطرفه، ويأخذ هذا العداء صفة طائفية أو حزبية سياسية أو منهجا فكريا أو حتى يصبح مقارعة لوسيلة إعلامية وتهجما على توجهاتها، معظم هؤلاء المغردون في حواراتهم يدورون في حلقة مفرغة فواحدهم يبحث عن انتصار فكري دون أن يكون لديه استعداد لسماع الطرف الآخر والتدبر في مقاله، لذا يلجأ لكيل التهم والشجار اللغوي بغية تحقيق الانتصار ولسان حاله كما يقول بعضهم «ألجمه حجرا» لذا يصبح هدفه الأهم هو إسكات المحاور. هذا السلوك ليس خاصاً بفئة دون الأخرى فالجميع يمارسونه ولأغراض مختلفة، وهو لاشك دليل على ضيق مساحة احتمال الاختلاف لدى معظم رواد توتير من السعوديين على وجه الخصوص. ولكن ما يغذي هذه الحالة هو ظاهرة نفسية معروفة يطلق عليها «الظن المحقق لذاته».
كثير من المغردين في توتير قليلو التأهل المعرفي لما يناقشون أو يعارضون، ويستقون معارفهم من بعضهم ومن تغريدات شيوخهم المؤدلجين، لذا فمعظم فكرهم هو ظنون واعتماد على فكر الشيخ المؤدلج، لذا يشعر المغرد وإن لم يعبر عن ذلك بقلق من الهزيمة في النقاش عندما يكون ذلك مع شخص آخر أكثر بلاغة أو أبلغ معرفة، هذا القلق يستثير الظنون الكامنة في النفس ويصبح نقاشه مبني على محاولة استكشاف ما يعزز به ظنونه فيميل للاستنتاجات المستعجلة، وإذا لم تنجح تلك في تحقيق الشعور بالانتصار يميل المغرد عندها للغة جافة وكيل الاتهام وربما إهانة المحاور بكلام جارح مما يستثير الطرف الآخر ويستفزه ليصبح الحوار عندها تقاذفا وسبابا، هذا يقود لتحقيق الظن السيئ بالطرف الآخر، فالمحاور منذ البداية لم يسعَ لاستجلاء حقيقة ظنونه، بل كان يسعى لتأكيدها من خلال محاولة استلال اعتراف من المحاور بها وحيث لم يحصل على ذلك بطريقة منطقية، تحول للاستفزاز حتى يخلق العدائية التي تبرر ظنونه وتؤكدها.
يميل كثير من علماء النفس إلى أن ظاهرة (الظن المحقق لذاته) هي ظاهرة مرتبطة بطبقة العقل البدائية والتي تستثيرها محفزات في طبقة المخ المسماة (Reptilian complex)، وتستثار عند شعور الإنسان بالخطر، لذا نجد أرباب (الظن المحقق لذاته) هم ممن يشعرون بخطر داهم من المختلف، لذا لا يريدون إلا ما يعزز عدائيتهم للطرف الآخر وعندها يصبح هؤلاء مجموعة كما هم في تويتر تتضافر عدائيتهم لتسقي بعضها البعض ويقود ذلك التضافر أرباب الأدلجة الذين يريدون تحقيق مطامح شخصية. وعندما يصبح الظن المحقق لذاته داخل الحلقة المفرغة، فإنه يتحول لأداة فاعلة في تقسيم الشعوب وتشتيت تجانسها ولا سبيل لكسر تلك الدائرة إلا بوضع قانون جزائي يحرم الكراهية والتعدي اللفظي، ويحاسب أرباب الأدلجة من خلال مراقبة تغريداتهم والأخذ عليهم، فهؤلاء ليس لهم هدف إلا تحقيق طموحاتهم ولو كان على حساب الوطن واستقراره.