لاشك أن ما فعلته القاعدة بقيادة المقتول أسامة بن لادن غير العالم، أوكشف المواقع المظلمة منه.
العالم بعد 11 سبتمبر غير العالم بعده، وكثير من مشكلات العالم الاقتصادية وحتى الأمنية والسياسية، يرجعها كثير من المحللين الى هجوم بن لادن المباغت على امريكا، ثم محاولة واشنطن لترميم أمنها الداخلي والانتقام.
ومع مرور سنوات على تلك الحادثة، لم يكن اسامة بن لادن او حتى القاعدة تشكل للكثيرين خطرا او مصدر قلق، بل ظلت - وحتى الآن بشكل اقل طبعا- مصدر فخر لإنجازاتها العظيمة لصالح»الجهاد» العالمي وأتباعه والمتعاطفين معه، وأصحاب الاحلام بعودة الحياة الى سابق عهدها لمئات سنين خلت، حتى وهي تضرب أوطانهم وتفجر بلادهم وتنشر الخوف في شوارعهم، وتخلخل أمنهم وأمن عائلاتهم وذويهم! رحل ابن لادن غير مأسوف عليه، وتشتت القاعدة لكنها لم تمت، بقي الظواهري يحاول بتسجيلات صوتية عابرة للقارات من جحر خفي.
فيما جيوب القاعدة في الشام واليمن والمغرب الجزيرة العربية تتفكك وتلتصق بقادة محليين وأجندات جديدة ايضا محلية ودولية، لتظهر امارات اسلامية عدة في الشمال والجنوب، قبل أن يعلن عن قيام الدولة الداعشية التى أصبحت «دولة الخلافة الاسلامية» في القرن الحالي!، وبعد أن قطعت داعش علاقتها مع القاعدة، وتنظيمها وأميرها ببيعتها كإمارة ثم دولة خلافة، لتتسع الهوة بينهما.
وصار تنظيم داعش العنيف قوياً مستقلا ومنقلبا على ما سواه من التنظيمات الشقيقة والتابعة والجهادية وغيرها،معلنا إقامة دولة لم تنجح القاعدة في إقامتها.
بعد بن لادن الذي لم يتجرأ على تنصيب نفسه خليفة للمسلمين جاء ابو بكر البغدادي بعمامة وملابس سوداء خلال خطبة الجمعة بمسجد بالموصل قالوا: انها اقتداء بالنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-.
مؤكدا ان الداعشيين هناك من أجل البقاء والتمدد، بل ولا يترددون في دعوة علنية للعلماء والقضاة وأصحاب الكفاءات العسكرية والطبية والمهندسين وأصحاب الاختصاصات في العالم الاسلامي للهجرة لهم، بحسب الخليفة الجديد الذي بشر بنفسه «بفتح روما وامتلاك الأرض بإذن الله».
! الواضح ان الحماس لداعش اقل من القاعدة -الى حد ما- على الصعيد الشعبي في العالم العربي والاسلامي على اقل تقدير، لكن اولئك الثوريين المتلحفين بـ»الجهاد» عندهم صوت التكبير ولحية كثة هو الاهم، بغض النظر والعقل عما يتبع ذلك من افعال، وهؤلاء هم -ايضا- المتعاطفون والمستعدون للتمويل او التأويل اوالدعاء او المساهمة في نشر الفكر الداعشي والتبرير له،وهي نسبة لا يستهان بها أبدا.
وهي موجودة بيننا محليا وإقليميا وعربيا واسلاميا، بل وفي العالم ،حيث مسلمو اوربا وامريكا، والذين اتجه منهم بعض لـ»الجهاد» في سوريا وغيرها.
والزحف مستمر! زحف يغذيه إشكال فكري ونفسي ايضا نتيجة لعوامل متداخلة منها التعليم ،والارشاد والخطاب الدينى نفسه، وهي بعض من الجوانب المختطفة من المتطرفين المتحمسين لأفكارهم العنيفة، والتى تلتقي في اقامة دولة الخلافة، «عودة الخلافة».
تلك هى الكلمة السرية والمفتاحية لجذب البسطاء والجهلة للجهاد لاحقا وسابقا من افغانستان والشيشان والبوسنة.
وهي خلف تمدد فكر القاعدة، وزحف داعش.
وهو الامر الذي اختصره خليفة العصر الحديث البغدادي سريعا وهو يصعد لمنبره، ويقول «لقد ابتليت بهذا الامر العظيم، لقد ابتليت بهذه الامانة، أمانة ثقيلة، فوليت عليكم ولست بخيركم ولا أفضل منكم»،بعد هذا الحجم المهول من القتل والدم والارهاب.
طبعا في الزوايا المظلمة لازال الكثيرون يصفقون، ولازال في عقول الكثيرين افكار داعشية تبتسم للمشهد، ولازال آخرون يأملون ان تتم مهمة الخليفة،كما يحلمون وحلموا بها.
لازال حلم الخلافة هو أكبر مهدد للأوطان والانسان، لازال الانغلاق في التاريخ العتيق، دون تطويرنسخ للدولة الحديثة والبقاء في أشباح ملابس طالبان.
وخيال مخرجي المسلسلات التاريخية.
هو العائق بيننا وبين الواقع.
فما بالكم بالمستقبل.
لازال في الواقع رموز لدواعشنا الصامتون المترقبون.
وهم الاخطر!