كم هو حجم سوق الدواء في المملكة؟ ولماذا لا تزال أسعار غالبية الأدوية أعلى عن مثيلاتها في الدول الأخرى
كثيرًا ما تثار قضية الدواء وارتفاع أسعاره بالسوق المحلي، ولكن غالبية النقاشات تخرج بلا شيء واضح.. هذا بالرغم من أن الدواء يُعدُّ أحد أهم السلع الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها أو لا يوجد بدائل لها، كما لا يمتلك للمستهلك إحلالها أو استبدالها بأخرى.. وحتى الآن لا توجد أرقام دقيقة حول حجم سوق الدواء بالمملكة.. إلا أن هناك رقمين مؤكدين، وهما قيمة فاتورة واردات المملكة من الأدوية، وقيمة إنفاق وزارة الصحة على الأدوية في مرافقها الصحية، واللذان يمكن التعويل عليهما للتعرف على الحجم الدقيق لسوق الدواء المحلي.
حجم إنفاق وزارة الصحة على الدواء «5.3 مليار ريال»
تشير احصاءات وزارة الصحة إلى أن الدواء يُعدُّ أهم بنود التشغيل الطّبي، وخصوصًا في نفقات الباب الثاني، التي تراوحت ما بين 4.8 مليار ريال في 2009م، ثمَّ ارتفعت إلى 5.3 مليار ريال في 2010م، ثمَّ صعدت فوق الخمسة مليارات في 2011م (5.1 مليار ريال)، ثمَّ ارتفعت إلى 5.3 مليار ريال في 2012م.. بما يؤكد على أن حجم احتياج مرافق وزارة الصحة وحدها للأدوية يقدر بنحو 5.3 مليار ريال، وهذا القيمة غالبًا يتم توزيعها مجانا، لأن وزارة الصحة لا تبيع خدماتها الصحية، ولكن تقدمها بالمجان للمواطنين.
ومن المعروف أن وزارة الصحة تسهم بنسبة الثلثين في سوق الخدمات الصحية، ولو افترضنا سريان هذه النسبة على سوق الدواء، فإنَّ سوق الدواء في بقية الجهات الحكوميَّة الأخرى والقطاع الخاص سيقدر بقيمة الثلث (إن لم يكن أعلى)، أو ما يناهز 2.7 مليار ريال.. أيّ أن قيمة الإنفاق المباشر على الدواء بالسوق المحلي تقدّر بناء على هذا الافتراض بنحو 8.0 مليار ريال.
هذا وينبغي معرفة أن القيمة المطلقة لإنفاق القطاع الخاص تزيد عن مثيلتها بوزارة الصحة في الإنفاق على الدواء، لأن كثيرًا من مرافق القطاع الخاص تقدم خدمات طبية رائدة أو ذات رفاهية أعلى حسب طبيعة وطلب المستهلك لها، ومدى ثرائه.. لذلك، فإنَّ التوقعات بأن تكون تزيد مساهمة القطاع الخاص في الإنفاق على الدواء وحده عن 4.0 مليار ريال.
المملكة تستورد 16.5 مليار ريال «أدوية»
بالرغم من أن حجم الإنفاق الصحي على الدواء بكافة مرافق المملكة يصل إلى 8.0 مليار ريال سنويًا، إلا أن حجم واردات المملكة من الأدوية يصل إلى حوالي 16.5 مليار ريال، وهو رقم كبير ومهول وغير متوقع.. إلا أنه من المتوقع أن يكون هذا الرقم متَضمَّن لبنود مُعيَّنة داخلة ضمن الأدوية ولكنها خامات لأدوية أو ربَّما منتجات كيماوية ترتبط بها.
فرص سوقية مضمونة.. خارج نطاق الخدمة حالياً لا يحتاج سوق الدواء لدراسات جدوى اقتصاديَّة، كما لا يمتلك مخاطر كبيرة للاستثمار فيها لسبب وحيد، وهو ضخامة حجم الواردات من الأدوية سنويًا، وهي منتجات ذات صلاحية قصيرة غالبًا، ولا يتم تخزينها طويلاً، وبالتالي فإنَّ الواردات منها سنوية ومضمونة ولا يوجد بديل لها..
رغم كل ذلك، فإنَّ التصنيع المحلي للدواء لم يتطوّر بالشكل الموازي لحجم وجاذبية هذه الفرص الاستثمارية.. حيث تشير الاحصاءات الرسمية إلى وجود ما يزيد عن 24 مصنعًا محليًّا للأدوية (تصريح أحد المسئولين)، لا تسهم سوى بنحو 20 في المئة من حجم الطلب بالسوق المحلي، بدليل ضخامة حجم المستورد سنويًا.. أيّ أن قيمة الإنتاج المحلي من الدواء لا تزيد عن 4.1 مليار ريال.
وعليه، فإنَّ حجم السوق المحلي للدواء يقدر بنحو 16.4 مليار ريال «واردات من الخارج»، مضافًا عليها حوالي 4.1 مليار ريال «إنتاج محلي»، أيّ يقدر بنحو 20.5 مليار ريال.
الأمر المستغرب أن سوق الدواء ينمو سنويًّا بالمملكة بنحو 5.0 في المئة، أيّ أنّه في عام 2020م من المتوقع أن تصل قيمة فاتورة الواردات المحليَّة من الدواء إلى 23.2 مليار ريال، بل إن إنفاق وزارة الصحة وحدها على الدواء من المتوقع أن يرتفع إلى 7.5 مليار ريال..
في المقابل، فإنَّ مصانع الأدوية تحتاج إلى نفقات استثمارية مرتفعة، وتتَّصف ببطء معدلات دخول المستثمرين إليها.. بما يعطي دلالة على أن سوق الدواء يُعدُّ سوقاً واعدًا، ويمتلك فرصًا استثمارية بقيمة 8.2 مليار ريال خلال العام الحالي، أو ما يعادل ضعف الطاقات الإنتاجيَّة الحالية بالسوق.. وذلك تحت افتراض أن هناك قيمة تعادل 4.1 مليار ريال من فاتورة الواردات هذه تمثِّل واردات ضرورية لمنتجات أو خامات للدواء لا يمكن تصنيعها محليًّا.
غلو أسعار الدواء .. وتداعياتها
قد يكون المبرر المنطقي لا رتفاع أسعار الدواء بالسوق المحلي عن مثيلتها بالدول الأخرى، هو الاعتماد الكثيف على الاستيراد من الخارج .. أو ربَّما اعتماد مواصفات قياسية مرتفعة لجودة الدواء المستورد .. وهذا أمر ينبغي الإشادة به عند مقارنة جودة الدواء المستورد محليًّا بأي من الدول العربيَّة المثيلة.
إلا أن غياب البديل المحلي يلعب الدور الأكبر في صعود أسعار الدواء.. وهذا الصعود يلعب دورًا ديناميكيًا في ارتفاع فاتورة التأمين الطّبي بالمملكة عمومًا.. لذلك، فإنَّ كبح جماح ارتفاع أسعار الدواء يحتاج إلى آليات ذكية لتحفيز المستثمرين المحليين لتكثيف دخولهم لمضمار الصناعات الدوائية، بحيث يزداد حجم المعروض المحلي، وتتعدد البدائل المحليَّة للدواء الواحد.