مع مطلع نوفمبر 2013 تلقت ألمانيا انتقادات موجَّهة إليها من وزارة الخزانة الأمريكية ضد الفائض التجاري الهائل الذي تتمسك به ألمانيا، في حين أن ألمانيا غاضبة من الانتصار الأمريكي في حرب العملات.
ولكن يبدو أن الولايات المتحدة تريد تحريك المياه الراكدة في أوروبا بين الدول الأعضاء؛ إذ يعتبرون أن الصقر الأمريكي قال ما لم تتجرأ دول الاتحاد الأوروبي على قوله؛ لأن ألمانيا ظلت محتفظة بفائض كبير في الحساب الجاري طيلة الأزمة المالية التي تعاني منها منطقة اليورو؛ ما يؤدي إلى عرقلة استعادة التوازن بالنسبة للبلدان الأخرى في منطقة اليورو، وسبق أن حذر صندوق النقد الدولي من استمرار ألمانيا باحتفاظها بفائض في الحساب الجاري في حين دول الجوار تعاني من تقشف.فالصين على سبيل المثال تعتبر ألمانيا أكثر من مجرد نموذج للنمو القائم على التصدير، ووصلت ألمانيا إلى هذا النجاح نتيجة مسارها التاريخي من خلال صراعها مع روح الاستبداد في الماضي، وحتى بريطانيا المتشككة في أوروبا أتى في تصريح رئيس الوزراء ديفيد كاميرون الذي سعى إلى تعزيز مصداقيته الدولية من خلال تسليط الضوء على علاقاته الوثيقة مع ميركل بدلاً من التأكيد على العلاقة الخاصة بين بريطانيا والولايات المتحدة؛ ما أغضب الصقر الأمريكي.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يكون الفائض في ألمانيا بحدود 215 مليار دولار في عام 2013، أي ما يعادل الفائض في الصين. وكما هو مقلق بالنسبة للولايات المتحدة فهو مقلق أيضاً كما يقول صندوق النقد الدولي وخصوصاً بالنسبة لمستقبل منطقة اليورو. ففائض الصادرات لا يعكس القدرة التنافسية فقط بل أيضاً فائضاً في الناتج على الإنفاق؛ ما يجعل بلدان الفائض تستورد الطلب الذي لا تولده دولة الفائض داخلياً، وهو ما يسمى بسياسة إفقار الجار، وخصوصاً في ظل اعتلال الطلب في دول الاتحاد الأوروبي؛ ما أدى إلى تدني الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو في الربع الثاني من عام 2013 بنسبة 3,1 في المائة عن مستويات الذروة التي سادت قبل الأزمة، وأدنى بنسبة 1,1 في المائة عن السنتين السابقتين؛ ما يؤدي إلى تعثر منطقة اليورو، وتتجه نحو الانكماش على غرار اليابان، والسياسات التي تتبعها منطقة اليورو بتوجيه من ألمانيا ستؤدي إلى هذه النتيجة.وينتقد يانين تفيلد السياسات المالية الانكماشية التي تتبعها منطقة اليورو بتوجيه من ألمانيا التي فرضت خسائر تراكمية في الناتج المحلي في كل دولة على حدة من دول منطقة اليورو، ويقترح أن تتبع منطقة اليورو سياسة نقدية نشطة فعالة، تتجه إلى تخفيض سعر صرف اليورو عن طريق اتباع البنك المركزي الأوروبي سياسة التسهيل الكمي على نطاق واسع من خلال شراء سندات البلدان الأعضاء بالتناسب مع حصصها في البنك المركزي. وفي الحقيقة، فإن القدرة التنافسية هي التي تحدد الفائض وليس التوازن ما بين العرض والطلب، والولايات المتحدة حريصة على إعادة التوازن في الدول الطرفية الأوروبية التي تعاني عجزاً قبل توقيع التجارة الحرة مع أوروبا، كما تطالب ألمانيا برفع الطلب المحلي والاستيراد من الولايات المتحدة مثلما تستورد الولايات المتحدة لتقليص الميزان التجاري بين الدولتين، ولا تريد الولايات المتحدة هي التي تقوم بمثل تلك المهمة بل تريد ألمانيا معالجة هذا الخلل في أوروبا قبل توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين. وسبق أن مارست الولايات المتحدة ضغوطها على ألمانيا الغربية قبل أن تتوحد عام 1971 لإعادة تقييم المارك الألماني، وغضبت ألمانيا في ذلك الوقت نتيجة انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية بريتون وودز، بما فيها اعتبار الذهب معياراً للعملة، وبسبب ذلك انهار ذلك النظام، وحل محله الدولار في تلك السنة.وحاولت الولايات المتحدة رفعالعملة الصينية، لكن الصين كانت حذرة، وتقوم بإعادة تدوير تدفقاتها الرأسمالية وتحويلها إلى الدولار واليورو لإيقاف ارتفاع قيمة عملتها حتى لا يؤذي نموذج النمو المدفوع بالصادرات، كما أن اليورو عندما حل محل المارك الألماني منح ألمانيا عملة ذات سعر صرف منخفض؛ ما أهَّل ألمانيا للتصدير، وخصوصاً عام 2013 أكثر من الولايات المتحدة وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي. بينما الاقتصاد الأمريكي لم ينمُ عضوياً بل بقدر نموه من الناحية التقنية عبر تطور الخدمات ورفع سقف الإنفاق على البحث العلمي، وهو يعيش الآن مرحلة انتقال وتطور نوعي بين التحديات والفرص الاقتصادية تبعاً لاختلاف المعطيات والبنية التحتية لكل اقتصاد. وعلى الرغم من أن أمريكا تشهد نمواً بطيئاً فإنه إيجابي مدعوم بالتطور العلمي، وحجم الدين الأمريكي يتناسب مع حجم الاقتصاد الأمريكي الذي تجاوز 16 تريليون دولار. وتود الولايات المتحدة أن تعزز نموذج النمو المدفوع بالصادرات.