نعلم جميعًا أن ما يُسمى بـ«داعش» أو الدولة الإسلامية بعد أن حذفت تخصيص مواقعها في العراق والشام، واعتبرت تواجدها (دولي- عالمي) لا تُشكل أي خطورة عسكرية تُذكر علينا، فهم ليسوا بأكثر من جيوش هشّة ليس لها أي تواجد يُذكر سوى على شبكة الإنترنت. وعدم تشكيل خطورة من قِبلهم لا يعني أن نضع رؤوسنا على مخداتنا ونرقد باطمئنان، فهؤلاء يُمثلون خطورة فكرية تستشري بين الناس بسذاجة بعد أن نشطت هذه الميليشيات الإرهابية في جهازها الإعلامي (الإنترنتي) وتمكنّت من استقطاب عواطف السُذج والأغبياء بعد الأحداث المخيفة التي أوجعتنا من قِبل الأنظمة التابعة لإيران في سوريا والعراق، والمتمثلة في بشار الأسد ونوري المالكي. فصارت لغة الدواعش ومريديهم أن كل من هو ضدهم فهو مع إيران وأتباعها، وساهمت اللغة الطائفية التي عَمل على تأجيجها دعاة الفتنة في الفضائيات ومنابر المساجد ومواقع الإنترنت في خلق هذه الطائفية الخانقة للأوطان، وجعل الناس ضمن فريقين: أن تؤيد داعش والإخوان وتكره الشيعة أو كما يسموهم «الروافض»، أو أن تؤيد إيران وبشار الأسد ونوري المالكي وتكره السنة وكما يسموهم «النواصب».. لم يعد هناك مع ألسنة الفتنة خط وسط، وأن الإنسان السوي الطبيعي لا يمكن أن يتخندق لا مع هؤلاء ولا من يقابلهم، مما شكّل خطورة فكرية حقيقية لم تستيقظ بعد وسائل الإعلام ولا المؤسسات المعنية بالتوعية على وضعها القائم، والذي لا يمكن حله وعلاجه بالوسائل الأمنية، ولو لجأنا لها لاضطررنا لبناء سجن في كل حي وشارع، لذا فإن الحلول الفكرية والشعور بحجم المشكلة ومعالجتها من خلال صد الفكر بالفكر هو الحل الذي نحتاجه، مع عدم ترك ألسنة دعاة الفتنة والتأجيج تلتهب سياط نيرانها في مساجدنا ومؤسساتنا ومواقع التواصل الاجتماعي.
إن إعلان دولة العراق والشام قيام الخلافة الإسلامية صحيح أنه أمر مضحك وساذج وبسيط لدى الناس التي تمتلك الوعي والفهم والدراية، لكنه ليس أمرًا يمكن الاستهانة به إذا ما أدركنا أن عينة ليست بقليلة في مجتمعاتنا الاسلامية مُغيبة تمامًا وبسهولة تنقاد خلف كل من يتحدث باسم الإسلام، وإن كان لا يُمثل منه أي شيء. وهذا الوضع لم تتيقظ بعد له وسائل الإعلام، وهي الجهة الأولى المناط لها الدور التوعوي، فما أقرأه لا يعدو عن كونه أخبار وتغطيات -بعضها- غير ناضج، أما القنوات السعودية فهي تعيش في عالم آخر، والقنوات التجارية لن تعمل إلا بما يعود عليها بالربح المادي، حتى معلوماتها لا تأخذها سوى عن -بعض- النشطاء ممن لا يعدون مصادر موثوقة، فمثلاً هذه الدولة المزعومة ليس لها أي تواجد بالعراق مع ذلك جهازها الإعلامي يصنع لها بطولات هناك تُمرر على الناس ولا يوجد إعلام يقوم بصدها.
أضف إلى هذا، وجود بعض العناصر التي تعمل ليل نهار على تشويه سمعة كل من يعمل على توعية الناس سواء ضد داعش أو ضد الجرائم الإيرانية في دولنا العربية والخليجية، وهذه العناصر تشير بسهامها جيدًا نحو الأهداف التي تم تجنيدها لخدمتها، من أجل تشويه سمعة الإعلام الواعي سواء قنوات أو صحف أو كُتاب وكاتبات، وعملهم بلا شك، هو لصالح كل الميليشيات الإرهابية سواء كانت سنيّة أو شيعية. ما أريد قوله إن العلاج الأمني مهم مع القيادات والعناصر المؤثرة، والمحاكم يجب أن تشرع أبوابها في محاكمة هذه الجرائم، أما الأتباع والرعاع فعلاجهم فكري قد يأخذ وقتا طويلا، إلا أن نتائجه لا بد أن تكون ناجعة.