أحدث الربيع العربي انقساما موجعًا في بعض الأسر العربية، وأول ما لاحظت هذا الانقسام في مملكة البحرين، التي كانت لا تعرف الطائفية ولا التمييز قبل أحداث دوار اللؤلؤة، فقد عرفت أهل البحرين شعبًا واحدًا يعيش السنة والشيعة في بيت واحد، يتزاوجون ويتعايشون بشكل جميل، إلى عام 2011م، حيث بدأنا نسمع كلمات مثل: (سني) و (شيعي) وهذا بحد ذاته هو هدف أحباب الفتنة وأعداء الاستقرار.
وإن كانت البحرين تجمع طائفتين مسلمتين مختلفتين عقديًا، ففي مصر الناس على مذهب واحد، لكن قلوبهم ومشاعرهم تجاه بعضهم انقسمت، وهذا ما لاحظته في زيارتي إلى هناك الأسبوع الفائت، صحيح أن مصر تشهد استقراراً سياسياً بعد عهد الإخوان المسلمين البائد، وبدأت تستنهض نفسها لتعود شامخة في قلب العالم العربي، إلا أن المجتمع المصري تغيّر كثيرًا.
جلست عدة مرات مع مجموعة من الصديقات المصريات، وجدت جِراحًا يبدو أن الأيام لن تجعلها تندمل، فالسياسة أفسدت العلاقات الاجتماعية، بل أفسدت العلاقة ما بين الأب وابنه والأخ وأخيه، روت لي صديقاتي كثير من المشاهد الاجتماعية الموجعة فالفتاة تقاطع والديها وأشقائها لأنها وزوجها ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين وأهلها ينتمون إلى مصر، بل وصلت الحالة إلى حد عقوق الوالدين، كنت اسأل صديقاتي باستغراب: كيف تعق فتاة والديها وتقاطعهم وهي تعتبر نفسها منتمية لجماعة إسلامية؟ تأتيني الاجابة بتساؤل آخر: هل ما زلتِ تصدقين أن الإخوان جماعة فعلاً تنتمي للإسلام؟ قلت: طبعًا لا أصدق لكنني أتحدث من منظار الناس الموالية لهذه الجماعة.
كثيرة هي التساؤلات، والأكثر هي الشروخ الاجتماعية التي تعيشها الشعوب العربية بشكل عام بعد ما يسمى بالربيع العربي. فالانقسام ما بين الجماعات والأحزاب السياسية أمر طبيعي واعتدنا سماعه، لكن الانقسام الأسري والاجتماعي وفي الدائرة الأكبر المحيطة به وهي «المجتمعي» هو ما يثير القلق ويبعث الحزن، لأن هناك تركيبة فكرية ومجتمعية ستتغير وإن كنا لن نلاحظها بشكل واضح في الوقت الحالي إلا أن تأثيراتها السلبية ستتضح في المستقبل القريب، فهناك حالات طلاق وهناك أسر تتشتت بسبب هذا الانقسام وهذه الاختلافات الفكرية والسياسية، وهذا الأمر حدث على أرض الواقع ومنه ما تم نشره في بعض وسائل الإعلام سواء في البحرين أو في مصر، وهناك قصص لم تنشر ولم تصل لنا أحزانها.
الفجوة المجتمعية الكبيرة والتي سترمي بنا في الهاوية التي تتسع دون أن نشعر، لكننا سنشعر بها جيدًا وقت السقوط، فهذا المنحنى الاجتماعي لن يسعد به إلا من سعى لإيجاده وخطط وفكر ودعم هذا، فالتغيير كما يتخيله البعض أنه مجرد تغيير مقاعد رئاسية، بينما في الواقع هو تغيير في التركيبة الاجتماعية بشكل كامل بما فيها الفكر والتوجهات وتحكم هذا في التقارب أو التنافر بين أهل الوطن الواحد.
أنا شخصيًا خسرت كثيراً من صداقاتي بعد أحداث الربيع العربي، هذا ما قلته لصديقاتي المصريات، وهذا حدث بالطبع بسبب إعلاني في مقالاتي أنني ضد كل مخرب، هذا لا يعني أن أصدقائي الذين خسرتهم في صف المخربين، إنما ما زالوا «مُغيبيّن» ويعتقدون أنهم نشطاء!