لا أحد يدرك أسباب تفشي عنف العمالة، خصوصا مع تصوير مشاهد العنف، سواء في الشجارات، واستخدام المواد الحادة، أو حتى في حالات تمتد إلى القتل، وكأن هؤلاء المعتدين يعيشون في غابة، لا يحكمها قانون ولا تشريع، كأنهم يجزمون أن ليس هناك رقيب ولا حسيب، وأن الأمر سيمر بسلام، إلى درجة تصويره بأجهزة الجوال، وبثه في مواقع التواصل الاجتماعية!
يحمل عضو جمعية حقوق الإنسان بمكة المكرمة الدكتور محمد السهلي مسؤولية ازدياد وتيرة العنف بين المقيمين إلى ثلاث جهات، لعل من أبرزها وزارة الخارجية، التي يجب عليها مخاطبة السفارات والقنصليات لتوعية المقيم بأنظمة المملكة والتي تنطبق على الجميع، والأماكن التي يلجأ إليها إذا تعرض لمكروه، وهذا أمر منطقي ومهم، لأنه للأسف كثير من الوافدين إلى المملكة لا يعرفون أنظمتها ولا تشريعها، ولا يدركون حقوقهم وواجباتهم، وأين يمكن لهم الذهاب فيما لو تعرضوا إلى اعتداء أو تهديد من قبل مقيمين آخرين.
وقد يكون دور وزارة الشؤون الإسلامية أيضاً مهماً، خاصة للمقيمين المسلمين، وهم الأكثرية في المملكة، حيث إن تنظيم دورات وندوات توعوية للجاليات، وتثقيفهم بما لهم من حقوق، وما عليهم من واجبات، وعدم التردد في اللجوء إلى الجهات المعنية إن استدعى الأمر، قد يخلق قانونا واضحا لهم، سواء من سيرتكب حماقة الاعتداء والضرب على الآخرين، أو ممن يتعرض لذلك.
كم كان مؤذيا مشهد العامل الذي اعتدى على حلاق مقيم كان قد أخطأ في حلاقته، وأوسعه ضربا مبرحا، بوجود عدد من العمالة المقيمة، وهم يتفرجون على هذا المشهد اللا إنساني، ويصورنه بكاميرات جوالاتهم، وهو يستخدم جميع الأدوات من حوله بضرب هذا المسكين الذي لم يكن يملك سوى البكاء والتوسل!
قد يقول أحدكم أن العنف يتفشى بشكل أكبر مع وسائل التقنية والتواصل الجديدة، سواء بين العمالة المقيمة، أو حتى بين المواطنين أنفسهم خاصة في شجارات الشوارع والتناحر أثناء قيادة السيارات، أو حتى في تعامل الأسر مع الأطفال، أو مع العمالة المنزلية، وإن كان في ذلك جانبا صحيحا، إلا أنه لا يمثل شيئاً قياساً بما يحدث من اعتداءات بين العمالة المقيمة، سواء في حال اختلاطهم في مواقع عملهم، أو في مواقع أخرى.
ولعل الأمر يزداد سواء لدينا، نظرا لكبر حجم هذه العمالة الوافدة، خاصة في الأعمال الحرفية الصغيرة، والتي يكون أصحابها عادة أقل ثقافة ووعيا بحقوقهم وواجباتهم، مما يجعل مسؤولية تنوير هؤلاء وتثقيفهم لا تقتصر على الجهات الحكومية فحسب، بل حتى أصحاب العمل عليهم واجب تنوير هؤلاء، وماذا عليهم أن يفعلوا في مثل هذه الحالات، التي يتعرضون فيها للاعتداء أو حتى الإيذاء، ولو اضطر صاحب العمل إلى دعوة أحد المختصين في مجالات حقوق الإنسان إلى منشآته، كي يتحدث لهم في محاضرة عن هذه الحقوق والواجبات، والخطوات التي عليهم اتباعها فيما لو تعرضوا لمثل ذلك.