صحيح أننا نشتكي من أزمة إسكان، وصحيح أننا نعاني من ارتفاع أسعار الأراضي مقابل تواضع متوسط الدخل للمواطن، وصحيح أن ثمة حلولا واضحة جداً، يمكن أن تسهم في حل مشكلة الإسكان بشكل كبير، لكن قد يكون هناك من هو مستفيد من بقاء الأزمة، وحصد الملايين من دخول هؤلاء عبر الإيجارات المرتفعة!
من بين هذه الحلول يمكن الاستفادة من فكرة تشجيع ودعم الضواحي حول مدينة الرياض، ومن جميع الاتجاهات، فمثلا هناك منح أراض شرق الرياض، وهي عبارة عن ستة وعشرين مخططا سكنيا، يبعد أقربها مسافة 25 كيلومتراً عن الفحص الدوري، وتضم هذه المخططات نحو سبعين ألف قطعة أرض ممنوحة، مساحاتها تتراوح بين 800 و900 متر مربع، بمعنى أن القطعة الواحدة يمكن أن يقام عليها فيلتان سكنيتان، أي أنه يمكن أن تشهد هذه المنطقة إنشاء 140 ألف فيلا، تستوعب نحو 700 ألف نسمة، إذا كانت الأسرة الواحدة تضم نحو خمسة أفراد فقط!
ولكن من الغرائب التي لا نملك معها سوى أن نرخي ابتسامة صفراء، أن هذه الأراضي تم منحها لمواطنين منذ خمسة عشر عاماً، دون أن يمنحوا معها فسح بناء، لأنها حسب التبريرات لم تتوفر فيها الخدمات، فباع بعض هؤلاء أراضيهم الممنوحة، والبعض الآخر بقي يقتات الأمل كل يوم، لعل وعسى أن يغير الله حال هذه الضاحية البعيدة، وقد كتبت في هذه الزاوية عن معاناة هؤلاء، حتى تسهلت أمورهم، وبدأ منحهم رخص البناء والتسوير، ثم تمت السفلتة لبعض المخططات، وانتعش الأمل للبعض بنهاية معاناتهم مع السكن، لكن الأشياء لا تكتمل دائماً، فبقيت المنطقة دون كهرباء، ليعود الإحباط من جديد، فما معنى أن تقيم مسكنا شرق الرياض أو شماله، وتضع في حوش البيت (ماطور) الكهرباء تشعله عند غروب الشمس كما لو كنت في قرية نائية، بل حتى القرى النائية والصغيرة أصبحت تنعم بالكهرباء، في مقابل أن إحدى ضواحي العاصمة تحتاج إلى مبادرات المواطن، وجهوده الذاتية ليوجد كهرباء في منزله!
ماذا لو تكاتفت الجهود فعلاً في هذه الضاحية، وأطلق عليها ضاحية الملك عبدالله، أسوة بضاحية الملك فهد بالدمام، وتم إيصال الكهرباء لها، والماء والأسفلت، وكافة الخدمات، واكتمل النمو العمراني فيها، واستوعبت ما يقارب المليون نسمة، ألا يعني ذلك حل جزء كبير من أزمة الإسكان في العاصمة؟ خاصة أن هذه الأراضي تم منحها فعلا، وسمح النظام باستخراج فسوح بناء فيها، بل والتقدم بها للحصول على قرض صندوق التنمية العقاري، لذلك يمكن لملاكها البدء فورا في البناء، وبحركة عمرانية نشطة لا مثيل لها، إلا إذا كان هناك من لا يريد حل هذه الأزمة، أو الإسهام في حل لو جزء منها، فجعل من إيصال خدمة الكهرباء قضية مستعصية يصعب حلها!
هذه الضواحي في الشرق، والغرب، والشمال، والجنوب، ومع إنجاز خطوط مترو الرياض بعد سنوات، يمكن أن تجعل هذه المدينة الضخمة تستوعب المزيد من ملايين السكان، والمهاجرين إليها، وتيسر أمورهم وتنقلاتهم بكل سهولة، فقط أن تتحرك شركة الكهرباء قليلا، وتفكر في دورها الوطني كمقدم خدمة أولا، ودورها كشركة ربحية ثانياً.