في كل بلاد العالم المتحضرة، يبتعد الناس، وخاصة النُخب منهم، عن كل ما من شأنه تكريس البغضاء والكراهية بين الناس، لذلك جرّمت بعض الدول المتقدمة في قوانينها (دعاة العنصرية) بجميع أشكالها، وكذلك الطائفية ودعاتها، كل ذلك قناعة منهم أن من يروج للكراهية والبغضاء وإشعال الأحقاد بين الناس، يجب أن يُردع، ويؤخذ على يده، فضلاً عن أن ثقافة المجتمعات المتقدمة تقوم على أن الإنسان العنصري أو الطائفي أو داعية الكراهية، أيا كان، هو غالباً ما يكون ذا مزاج منحرف، وداعية شر، فينبذه الناس عامتهم وخاصتهم قبل القوانين.
أما في المجتمعات المتخلفة، التى تُكبلها النزعة إلى كراهية بعض أفرادها لبعضهم على أساس ديني أو مذهبي، فتجدها أكثر المجتمعات تفككا وتشرذما وجاهزية للاضطرابات والقلاقل التي غالباً ما تنتهي إلى الحروب الأهلية والتطاحن الدموي بين أفرادها، وما نُعايشه من اضطرابات وتطاحن دموي على أساس مذهبي في سوريا والعراق يثبت كيف أننا إذا لم (نردع) دعاة الكراهية هؤلاء، سيأخذوننا إلى نفس المصير وتلك النهاية.
محمد العريفي، أستاذ في جامعة الملك سعود، وهو - أيضاً - خطيب جمعة و واعظ معروف، وفي الوقت ذاته حريص على تكريس ثقافة البغضاء والكراهية بين طوائف الناس وتوجهاتهم المذهبية، وينتهز أي مناسبة لتكريس ذلك.
المذكور أورد في خطبة له رواية عن « الشعبي» - رحمه الله - فحواها أن المذهبية ليست وقفاً على بني البشر، وإنما تمتد كذلك إلى الجن أيضاً؛ وأن الشعبي كان له صديق من الجن، وقد اشتهى مرة (رزاً)، فقدم الإنسي للجني رزاً بناء على طلبه، فأكله ثم دخل الجني في الجدار، ولم يذكر لنا صاحب الرواية كيف عرف أنه دخل في الجدار طالما أنه لا يستطيع أن يراه حسب نص القرآن، فما هي الطريقة (الإعجازية) التي بها أيقن أنه دخل في الجدار، ولم يدخل تحت الأرض مثلاً. المهم أن الشعبي حسب ما يقول الواعظ الشهير سأل الجني: (أفي الجن مذاهب وفرق؟. قال: نعم. فسأله الشعبي: فما أخبثها عندكم؟. فقال الجني: فرقة يُقال لهم الرافضة) !؛. ومسمى الرافضة يطلقه بعض المتعصبين طائفياً على الشيعة.
والخطبة لمن أراد أن يبحث في الموضوع على هذا الرابط في (اليوتيوب):
http://www.youtube.com/watch?v=zyz7tDr61A0الجزيرةfeature=youtu.be
طبعاً الرواية مضطربة، ولا يعتد بها، وتنضح بتناقضها مع القرآن الكريم الذي وصف الجن بقوله جل شأنه: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ}، فكيف إذاً رآه الشعبي حين دخل في الجدار؟.. وهل عامر بن شراحيل بن عبد بن ذي كبار أبو عمرو الهمداني (الشعبي) - رحمه الله -(توفي عام 103 هـ وقيل عام 109هـ) - عاصر ظهور هـذا المصطلح في حياته لتصح الرواية أم لا؟
العريفي لا يهمه أن يسأل مثل هذه الأسئلة ليتحقق من سلامة الرواية بقدر ما كان بهمه أن يكرس كراهية مذهب بعينه، بأية طريقة، حتى وإن استعان بقصة خرافية مضطربة ومهلهلة رواها واحد من السلف عن (الجن)!!.
المُطمئن بالنسبة لي، ولكل من يقف بقوة ضد دعاة التشرذم والتفكك ومسعري الحروب الأهلية في الأوطان، أن مقولة العريفي تلك لاقت في مواقع التواصل الاجتماعي عاصفة من الاستهجان والسخرية والنكت فضلاً عن الاستغراب، ما يؤكد أن مثل هذه البضاعة المزجاة لم يعد لها سوق، ولا تجد لها قبولاً، ومن أرد أن يتأكد مما أقول فليرَ كم من التعليقات الساخرة والمضحكة على ما قاله العريفي في هاشتاق (#إلا_الرز_يالعريفي) على (تويتر)، لتعرفوا من هم الذين يسيئون لأنفسهم، ويضعون أنفسهم في محل التندر والسخرية والاستهجان!
الجدير بالذكر - أيضاً - أن محمد العريفي قد أثار قبل أيام زوبعة من الاستهجان في بريطانيا، فقد (اتهمت بعض الصحف البريطانية الشيخ العريفي بالتأثير على بريطانيين وإرسالهم للجهاد في صفوف مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). وقد أفردت صحيفة (الدايلي ميل) صفحتها الأولى بالكامل للشيخ العريفي مع صورة مكبرة، وكذلك فعلت (الدايلي تلغراف»). وتقول التقارير الصحافية: ان العريفي قد ألقى عدداً من المحاضرات الدينية بمسجد المنار بـ (كارديف) في وقت سابق واستطاع التأثير على الكثير من الشباب المسلم البريطاني، خاصة بعد ظهور الشاب البريطاني رياض خان (20 عاماً) الذي كان يحلم بأن يصبح أول رئيس وزراء لبريطانيا من أصل آسيوي، وفاجأ ذويه بشريط فيديو يظهر مشاركته في القتال مع (داعش») و عبدول مياح (27 عاماً) الذي أدين بتدبير مؤامرة لشن هجمات في لندن على غرار هجمات مومباي، وشقيقه غور وكانث ديساي (32 عاماً)، والمتورط معهما عمر لطيف (30 عاماً) حضروا دروس العريفي في مسجد المنار). وقد مُنع المذكور لذلك من دخول بريطانيا، كما أنه ممنوع من دخول سويسرا، وكذلك دول (شنقن) الأوربية، والأمر كذلك بالنسبة لمصر والكويت كما هو معروف.
إلى اللقاء