لم أتذكر أنني قابلت صحفياً أو كاتباً غربياً هنا في الرياض إلا ويسألني: لماذا الملك عبدالله يتخذ هذا الموقف الحاد والصارم من «نوري المالكي»، ويصر على عدم الالتقاء به، رغم أن «أوباما» وسّط كثيرين لتحقيق مثل هذا اللقاء، إلا أنهم يفشلون؟... الآن اكتشف الأمريكيون متأخرين لماذا أصر الملك عبدالله على عدم لقائه؛ والسبب لأنه طائفي حتى النخاع، ويكذب، ويعد ولا يفي، ولا يوثق به، ولا بوعوده، ولا يمكن أن يكون سبب المشكلة عنصراً من عناصر حلها؛ فلماذا يلتقيه؟
ويبدو أن الأمريكيين أخيراً اقتنعوا بوجهة نظر المملكة؛ هذا ما يمكن قراءته بعد التصريح (التقريعي) للمتحدثة باسم الخارجية الأمريكية «جينيفر بساكي» رداً على سؤال في إيجازها الصحفي اليومي حول تصريحات المالكي التي اتهم فيها المملكة بدعم الجماعات الإرهابية؛ تقول بلغة صارمة: بأنها تصريحات: (غير دقيقة، ولا تساعد في هذه المرحلة التي ينبغي عليه فيها انتهاج سياسات غير طائفية، وتخدم اهتمامات ومصالح جميع العراقيين).
ما يحصل في العراق، هو نتيجة لتخبطات الرئيس أوباما التي يدفع الأمريكيون ثمنها الآن باهظاً؛ فقد كان يصر على الانسحاب من العراق عاجلاً بأي ثمن، ولم يجد حلاً لتنفيذ رغبته تلك إلا بتسليم العراق على طبق من ذهب لإيران؛ فقد كان «نوري المالكي» هو الشخص المقبول من إيران، وأي شخص آخر غير المالكي، يعني أن إيران من خلال عملائها في العراق ستثير في وجهه الزوابع، ما يجعل الداخل العراقي بعد الانسحاب الأمريكي يبدو غير مستقر؛ قبل الأمريكيون بالمالكي، على اعتبار أنه أفضل (الحلول السيئة)، التي من خلالها يستطيع أوباما أن يسحب الجيوش الأمريكية من العراق، ويفي بوعوده لناخبيه؛ غير أن ما انتهت إليه الأوضاع أخيراً في العراق أدخل أمريكا في نفق صعب للغاية؛ فالإرهابيون الآن لم تعد تُمثلهم القاعدة أو داعش فقط، وإنما انضمت إليهم تقريباً كل عشائر العراق السنية، ومن خلفهم جموع أهل السنة في المنطقة أيضاً، واختلط الحابل بالنابل حقيقة وليس مجازاً، لتصبح العراق مرشحة بقوة للانضمام إلى سوريا كملجأ وحاضنة للإرهاب والإرهابيين، ومُصدرة له في لوقت ذاته، والسبب ببساطة سياسات المالكي الطائفية الخرقاء.
واضح أن الأمريكيين بعد تصريحهم الأخير يحاولون استدراك ما يمكن استدراكه، والتضحية بالمالكي، غير أن القضية لم تعد المالكي فحسب، الذي هو في حكم (المنتهي) عاجلاً أم آجلاً، إنما في (إيران) التي تحاول أن تستثمر الأوضاع في العراق، وخطر جحافل الإرهابيين، وورقة الشيعة، وحماية المقدسات والمراقد الشيعية في العراق، لتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية، وعلى رأسها الملف الأهم بالنسبة لملالي إيران، والخطير بالنسبة لنا، وهو (ملف المفاعلات النووية) الإيرانية. أي أن الأمريكيين أمامهم حلان: إما الخضوع للشروط الإيرانية، والتنسيق معهم لمنع سقوط بغداد في يد جحافل العشائر ومعهم داعش، أو ترك الأمور تجري كيفما اتفق، لتثور حرباً أهلية طاحنة، لن تبقى تأثيراتها داخل العراق، وإنما ستمتد إلى خارج العراق حتماً من خلال الإرهاب والإرهابيين.
الأمريكيون على ما يبدو اضطروا للخيار الأول، وأعلنوا أنهم سيتباحثون مع إيران لمنع سقوط بغداد، ولكن الثمن لم يتضح بعد.
كل ما تقدم يعني أن هناك احتمالاً قوياً لا يمكن إغفاله مؤداه أن (داعش)، كما هي القاعدة، منظمة متعاونة مع الاستخبارات الإيرانية، وتعمل لمصلحتها، وأن الفتيل الذي أشعلته في الشمال العراقي، ها هي توظفه إيران بشكل واضح وجلي لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، وتضع الأمريكيين أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التعاون معها بشروطها، أو سقوط بغداد في أيدي العشائر، وفي طليعتهم (داعش)، وليذهب نوري المالكي، واستقرار العراق، ومعه الشيعة العرب أيضاً، إلى الجحيم، إذا كان ذلك في مصلحة الإمبراطورية الإيرانية وسيطرتها على المنطقة.
كيف سيتعامل الأمريكيون مع مأزقهم؟.. وما مدى انعكاسات هذه التطورات الحرجة على المنطقة؟.. هذا ما سوف تكشف عنه الأيام القليلة القادمة.
إلى اللقاء.