كانت العرب تسمي المواكب المسافرة بالقافلة تيمنا بعودتها وقفولها راجعة، كما يطلقون لفظ (السليم) على المريض وبالذات اللديغ تفاؤلا بشفائه وسلامته! ويبادر أهل نجد عند زيارتهم لمريض بكلمة (طيب.. طيب) لرفع معنوياته، وشد أزره لمقاومة المرض ومساعدته على الشفاء.
وقد استأت حقا من لقطة مصورة انتشرت بين الناس مؤخرا ويظهر فيها رجل في مستشفى يبتسم وهو يسلّم صديقه المريض كفنا مغلفا كهدية، بينما بدا المريض مصدوما وممتقع اللون! وبرغم أن التذكير بالموت أمر محمود حين يكون بهدف وعظ المسرفين على أنفسهم بالذنوب وحثهم للإقلاع عنها، ولكنه للمريض أمر غير مقبول مطلقا!
وقد رفض المجتمع ذلك التصرف المسيء الجارح الذي ظهر وكأنه تفاؤل بالموت! مما دعا بطل الصورة صاحب (هدية الموت) لتبرير فعله بأنه مجرد مزحة! وهو عذر قبيح كبشاعة فعله!
ولعل تلك التصرفات السلبية هي إحدى إفرازات الصحوة التي كان ناشطوها يدعون لشراء الأكفان ووضعها في خزانة الملابس، فيرتاع منها المرء كلما هم بتبديل ملابسه وكأنها رسالة مبطنة بأنك سترتدي الكفن قريبا! وقد راجت تجارة الأكفان آنذاك وصار في كل بيت كفن أو عدة أكفان، وربما تم تداولها كهدايا!! حتى قام أحد المحسنين بتوفير الأكفان في المساجد الملحقة بها مغسلة للموتى، فتضاءلت تلك الظاهرة.
العجيب أن الدعاة والوعاظ لم يشجبوا ذلك التصرف الأرعن من لدن زائر المريض! في الوقت الذي تنتشر فيه صورة أحدهم في أغلب اللوحات التلفزيونية الكبيرة المنتشرة في شوارع وميادين الرياض، ويبدو فيها الداعية بكامل هندامه وأناقته وحبه للشهرة والإقبال على الحياة المترفة!
حقيقة، لا أستطيع توقع انتهاء الفكر الظلامي الذي يدعو للموت وكراهية الحياة والتفجير والقتل أحياناً، ولا أفهم له سببا أو قبولا طالما كان الإنسان مستقيما يؤدي فروضه ولا يؤذي غيره، وينهج التقوى والورع ما أمكن!
إن ترك ذلك الفكر المنحرف ينتشر بهذه الصورة التي تحمل كراهية للحياة والبشر أمر يدعو للدهشة، وينبغي وقف تغلغله ومعاقبة فاعليه ولو بتنبيههم وتوعيتهم إلى خطورة ذلك الفكر الذي تولد عنه القيام بعمليات انتحارية دون هدف سوى محاربة الحياة فحسب!
ولعلي أناشد جمعية أصدقاء المرضى - إن لم تكن ارتدت الكفن - بوقف هذا السفه والهوج في المستشفيات!
أسأل الله تعالى للمرضى الشفاء العاجل، وأن يلبسنا وإياهم رداء الصحة والعافية.