إن تأصيل معطيات هذا الشهر في نفوس المسلمين هو ما دعت إليه النصوص الشرعية التي مصدرها كتاب الله وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فشهر رمضان نزل فيه القرآن وفيه مكاسب مادية ومعنوية فقراءة القرآن بتدبر يسهم في إعداد وتكامل شخصية الإنسان الذي يحتاج إلى القيم والمخزون الوافر الذي يتمتع به فليس هناك من مصدر لثقافة الإنسان الواسعة إلا ويجده في هذا القرآن العظيم كذلك السنة النبوية والتمعن فيها من خلال الأحاديث النبوية التي وردت في كتب الصحاح هي من مصادر الوحي كما قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم (إن هو إلا وحي يوحى) فجميع الأحاديث الصحيحة التي وردت فيها تصب في الجانب الروحي والمعنوي الذي يحتاجه الإنسان لتقديم العبادة في أعلى درجاتها ويحقق الاستخلاف الذي أراده الله لعبادة ومن نعم الله على الإنسان المسلم أن جعل مواسم تتضاعف فيها الحسنات ولاسيما في شهر رمضان الذي يستطيع الإنسان فيه أن يعمل أعمالا خارقة فعلى سبيل المثال العمرة التي تعادل حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم كذلك قراءة القرآن وصلاة التراويح والقيام والصدقة وزكاة الفطر والبذل والإطعام كذلك الصيام الذي يعتبر من مرتكزات هذا الشهر ومن فوائده أنه رسالة علمية تربوية في التقوى والتهذيب والتغيير إلى الأفضل أيضاً فرصة ثمينة لتنظيم الحياة وتخليصها من الفوضى والرتابة والجمود أيضاً يعتبر شهر رمضان اختباراً عملياً يتعلم المسلم كيف يهذب من سلوكياته وأفكاره أيضاً كبح جماح النفس وتربيتها بترك السيئة أيضاً الصيام فرصة للتغيير والتدبر إضافة إلى ما يوفره من صحة للإنسان التي عانى منها جهازه الهضمي طيلة الأحد عشر شهراً الماضية والتي تعود إلى التخبطات وعدم التنظيم في وجباته الغذائية هذه الفوائد التي أشرت إليها تصب في الروحانية التي هي سمة من سمات رمضان أما الاستهلاك فليس له ارتباط برمضان كما تصوره بعض الأسر التي تجعل من رمضان فرصة للاستهلاك والتلذذ بما لذ وطاب وأصبح هذا الاستهلاك ثقافة متفشية عند كثير من الأسر ففي منتصف شهر شعبان تعلن حالة الطوارئ عندها ويبدؤون بالتردد على أسواق المواد الغذائية ويشترون جميع الأصناف التي اعتادوا عليها في رمضان وبكميات كبيرة ويستغلون الإعلانات التجارية التي تدعي التخفيض والذي قد يكون صحيحاً لقرب انتهاء المادة المحددة لحفظه والتي لا يركز عليها هؤلاء المشترون أيضاً البعض من هؤلاء الأسر يضيفون إلى ذلك ذهابهإلى محلات بيع الأدوات المنزلية مثل أدوات الطبخ والأدوات الأخرى التي تقدم بها مواد الطعام والمشروبات فتجدهم يجددونها كل سنة ولاسيما في هذا الشهر الكريم وبعد هذا الجهد الذي بذل في تأمين هذه الطلبات الاستهلاكية يدخل شهر رمضان وتبدأ معظم الأسر ولاسيما ربات البيوت فتجعل معظم وقتها في المطبع ومعهن الخادمات يقمن بتجهيز الأطباق المتنوعة تمهيداً لتقديمها على السفرة العائلية التي ينتظرونها ويستعدون لها مجرد سماع آذان المغرب وكل واحد منهم لديه الشهية في التهام هذه الأطباق وما هي إلا لحظات إلا وإذ بهم لا يكملون صنفاً أو صنفين من هذه الأطباق والتي مصيرها إلى سلات القمامة ويتكرر هذا المشهد في أيام الشهر كله فربة البيت والخادمات هن ضحية لهذا الاستهلاك الذي لم يتح لهن المتعة الروحية في هذا الشهر المتمثلة في قراءة القرآن وصلاة التراويح والإكثار من الدعاء والاستغفار فإلى متى تكون روحانية رمضان حاضرة في سلوكنا ولا يخطفها الاستهلاك منا الذي يقود إلى الإسراف المنهي عنه هذا لن يتحقق إلا من خلال استشعار مكانة هذا الشهر الكريم في نفوسنا قولاً وعملاً.