يتعرض العالم العربي هذه الأيام لحملة مسعورة تستهدف تفكيك حدوده الجغرافية، وتمزيق كياناته السياسية، وتقسيم ثرواته الطبيعية، وتقطيعه إلى دويلات صغيرة ضعيفة غارقة في المشاكل والأزمات والفقر والديون وطافحة بالدم والاحتراب والاقتتال، إنه المشروع الاستعماري الجديد بحلله وأدواته وأزلامه وأجنداته الخطيرة، الذي طبخ في الخفاء لتنفيذ مراحلة النهائية، أن ملامح المشروع صارت واضحة للعيان، من دون حاجة للشرح والتوضيح والدليل والبرهان والتثبت، خصوصا بعد أن انفصل جنوب السودان عن شماله، واختفى العلم العراقي تماما من إقليم كردستان، تمهيدا للانفصال النهائي من جسد العراق، وصار الصومال صوماليين منفصلين هما: إقليم أرض الصومال، وإقليم (بونتلاند)، وغرست بذور الانشقاق والانفصال بين عدن وصنعاء، وبين بنغازي وطرابلس، وبين البربر والعرب، وبدأ التهيؤ لتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات صغيرة (كردية) و(سنية) و(شيعية)، وسوريا إلى ثلاث دويلات أيضاً (سنية) و(درزية) و(علوية) إنني أكاد أجزم أن المقاول الرئيس لمشاريع التقسيم والتقطيع والتفكيك والتجزئة هي إسرائيل، إما المهندس الذي وضع مخططات هذه المشاريع الشيطانية، فهي حليفتها أمريكا ومن ورائها الغرب التبيع، إن مما يؤسف له إننا صرنا نستنشق اليوم دخان هذه المؤامرات والدسائس الخبيثة المنبعثة من أفران الخيانة والعمالة والغدر، نقف على مفترق شبكة من الطرق المعقدة، شديدة الوعورة، تطاردنا همرات القوى الاستعلائية من شرق الوطن العربي إلى غربه، تتعامل معنا وكأننا مجموعة من القبائل والطوائف والتكتلات البدائية المتصارعة المتحاربة، تتصرف معنا وكأنها القوى الخارجية الجبارة، المخولة رسميا في السيطرة على نزاعاتنا، أو كأنها هي التي تمتلك الشرعية الدولية والوصاية الكاملة في التحكم بمصائرنا، أو كما لو كان لها الحق في تقسيمنا إلى شيع وطوائف متنافرة، وغير قادرة على التعايش السلمي، واستطالت مخالب الأعداء بكل أشكالهم وأطيافهم تدريجيا في ظل الخلافات الطائفية والمناطقية والفكرية، وفي ظل الإذعان المخزي لرغبات هؤلاء الأعداء الكثر، ولم يعد خيار التقسيم طرحا نظرياً، بل صار من أهم الأدوات والسيناريوهات المفضلة لدى تيار واسع من الأعداء وزبانيتهم، يغذيهم بعض الأقزام العرب والعجم الذين بلغوا من الخيانة أعلى المراتب، حتى صاروا هم المقاول والمتعهد الثانوي في تنفيذ مشاريعلتفكيك والتجزئة في السر والعلن، وصاروا أكثر تأمركا من الأمريكان أنفسهم، وأكثر صهيونية من الحاخامات عند حائط المبكى، ألا قبح الله المتأمركين والمتصهينين والمتخاذلين، وسحقا للذين اختاروا الوقوف خلف مشاريع التقسيم والتجزئة والخراب والتيه والظمأ، أياً كان شكلهم أو لونهم أو حجمهم أو انتماءهم.