إلقاء الشعر موهبة لها متطلباتها وشروطها كجمال الصوت وسلامة مخارج الحروف، وهو إبداع بحد ذاته يحقق المتعة والفائدة إذا أُلقي الشعر بطريقة مُثلى تعطي لآماد الشعر الحقيقي بعداً آخر.
وقد اشتهر قلّة من شعراء الفصيح وصنوه الشعبي بتمكنهم من فن إلقاء الشعر، مثل: محمود درويش ونزار قباني والجواهري وفاروق شوشة، والأمير خالد الفيصل، وخلف بن هذال وطلال السعيد وبندر الدوخي ومحمد الذيابي، وعلي المفضي ومحمد المطيري -رحمه الله- وغيرهم. ولكن المؤسف، والمرصود في بعض القنوات الفضائية والإذاعية، أن تُلقى قصيدة جميلة بطريقة سيئة سواء من شاعرها أو من شخص آخر يفترض أنه مناط به أمر إلقاء الشعر، وهو غير جدير لتدني إمكاناته في هذا الشأن، وبالتالي -إذا استثنينا من يتناول النص من منظور نقدي من المستمعين أو المشاهدين- فإنه سيكون الانطباع بعيداً عن التفاعل والانسجام بل الضجر والسأم والملل، مهما اجتهد المصطنع بتمثيل دور لم ولن يجيده بزعيقه غير المقنع بالتأكيد.
فهل امتدت الواسطة حتى لتشويه جمال إلقاء القصائد على حساب الذائقة؟! وعلى حساب هيبة الشعر وجمهوره العريض؟!
يقول مظفر النواب: (في اللحظة التي أبدأ فيها قراءة الكلمات الأولى من القصيدة يتبدد خوفي وأشعر وكأنني في غياب تام عن كل ما حولي، ويتحول مشهد الناس أمامي إلى كتلة مجهولة وعظيمة في غموضها، وهذه الكتلة تكتسي صبغة الدهر الأبدية، وعندما يغني الشاعر مع الأبدية يجيء غناؤه أكثر سحراً ويتحول إلى نوع من المكاشفة الوجدية).. لذا أتأمل أن تطل شمس الحقيقة على ليل الوهم لينجلي من أذهان من عاشوا -وهم- إجادتهم لإلقاء الشعر، (وهو بالأساس ليس من صميم تشكيلتهم الإبداعية - قيس صقر) يقول المثل (لا تبني قصوراً من هواء Don›t build Castles in the air).
وقفة من أوراقي القديمة:
كم رمح شوقٍ خضّبه دم الامهاج
أهل الغلا الصادق ضحيّة غلاهم
ماني لبعض أريا.. المخاليق محتاج
راضي.. بصيف الشوق ما أنطر شتاهم
أحلى العمر بسمة غلا.. وضحكة حجاج
ونجوى محبينٍ.. تناهى.. وفاهم
لاجا الحنان انصع من الماس والعاج
وداوا قلوب أهل الهوى من أساهم
وأمسى مثل ضوح القمر نور وهّاج
علمٍ ما هو حلمٍ.. منادم لقاهم
بحروف فضّة فوق صفحات ديباج
يبقى غلاهم لو نسوا ما نساهم