في أحدث خطبة ألقاها حسن نصر الله أمين عام ما يسمى (حزب الله) أمام أنصاره قبل أيام، أكد أن (المقاومة) أصبحت أقوى من ذي قبل، أي في العام 2006م إبان حرب حزبه مع إسرائيل، ويعني بالمقاومة هنا (ميلشيات حزب الله)، كما أكد أن ذهاب مقاتليه إلى سوريا تأخر كثيراً، وأن الانتقاد الموجه لحزبه بسبب موقفه السياسي من الأزمة السورية، وليس بسبب المشاركة القتالية في هذه الأزمة، التي جاءت -كما يزعم- بعد مشاركة الجميع.
منطق نصر الله في هذا الخطاب لا يختلف عن ما قاله في خطابات سابقة، سواءً بعد حرب (حزب الله) العبثية ضد إسرائيل، أو بعد مشاركة أعضاء هذا الحزب الطائفي في القتال بسوريا إلى جانب نظام الإجرام الأسدي، وهو تأكيد مسألة (المقاومة) المزعومة، فهي الورقة الرابحة التي يلوح بها ضد خصومه، وهي السلاح التي يضغط بها على الواقع اللبناني الداخلي لفرض شروطه في أية تغييرات سياسية أو إجراءات حكومية، وهي قصيدة الكفاح المسلح التي يرتلها على مسامع أنصاره بعد أن يستعدي مظلومية كربلاء، ليتحكم بعواطفهم، فيسهل عليه قيادة عقولهم، وتوجيه وجدانهم لكل ما يريد من مواقف أو تدخلات في المحيط الإقليمي للبنان.
لكن حسن نصر الله فات عليه أن خطابه عن المقاومة، المكرر بعباراته والممجوج بأفكاره، لم يعد ينطلي على شعوب الأمة، لأن إستراتيجيته الهتلرية (إكذب إكذب إكذب حتى يصدقك الناس)، قد انكشفت سوءتها أمام العالم بمشاهد أطفال سوريا، الذين سقطوا تحت الأنقاض، أو تم نحرهم بأيدي الشبيحة ومقاتلي الحزب في أكثر من مدينة سورية.
فالمقاومة الحقيقية تبقى دائماً (نقية) فلا تتلوث بالمواقف السياسية، وتستمر (وطنية) فلا تخدم الأجندة الإقليمية لمشاريع هيمنة دول تعيش على الفكر الثوري التوسعي. المقاومة الحقيقية لا تخضع للنزعات الطائفية، أو التعصب المذهبي، إنما تكون رابطة تجمع أبناء الوطن أو الأمة، ورمز يوحد الجهود نحو أهدافها الجهادية في طرد المستعمر أو دولة الاحتلال. فهل مقاومة نصر الله التي يتغنى بها تتسم بهذه الصفات؟ قطعاً لا. فمقاومته ملوثة بمواقفه السياسية المتناقضة، وهي غير وطنية وإن زعمت حماية التراب اللبناني، لأنها تعمل تحت العمامة الإيرانية، ومقاومته طائفية بامتياز بدلالة اشتراكها الدموي في القتال داخل سوريا، ليس لأجل الفصل بين المتحاربين، وليس لحماية الأبرياء داخل أتون الحرب، إنما لدعم جيش بشار في ذبح الناس.
والمضحك أن أمين (حزب الله) يزعم في ذات الخطاب أن موقفه السياسي مما يجري في سوريا منذ البداية كان ضد الصراع ومع الدعوة للإصلاح بين النظام والمعارضة. وكي يغطي على هذه الكذبة يقول إنهم اشتركوا بالقتال بعد مشاركة الجميع. من هم هؤلاء؟ لا نعرف ! لكن ما نعرفه أن المقاومة الحقيقية والصادقة لا تنخرط في نزاعات أو حروب داخل أي بلد آخر، لأن مهمتها الحقيقية تجاه العدو المحتل، وليس تجاه طفل سوري قتله الجوع بعد أن ماتت أسرته بقصف بشار المدعوم من إيران وحزب الله.