ما الذي يميز ما يسمى (حزب الله) عن أي حزب سياسي، أو حركة مقاومة، أو مؤسسة مدنية، أو جماعة دينية على مستوى وطننا العربي أو عالمنا الإسلامي؟. يميزه أنه يجمع كل هذه الصفات ويستغلها وفق أجندته، بحيث لا تستطيع تصنيفه
بشكل محدد. فإذا أراد أن يبرر امتلاك السلاح، أو التحرك العسكري على الحدود مع إسرائيل، أو المشاركة في القتال داخل سوريا، قال أمينه العام إننا حركة مقاومة والعدو يحتل أرضاً لبنانية، كما نريد أن نحمي بلادنا من التكفيريين. وإذا أراد هذا الحزب فرض وصايته على الحكومة اللبنانية والتدخل في قراراتها السيادية قال إننا حزب سياسي مؤثر على الخريطة السياسية اللبنانية، وله تمثيله الكبير في البرلمان. وإذا أراد أن يخفي نزعته الطائفية أو يخفي طبيعة علاقته الحقيقية بالإيرانيين، قال إننا جماعة دينية تمتثل لمرجعتيها الشيعية كبقية الفرق والجماعات الشيعية في العالم الإسلامي، وإذا أراد أن يلعب على الوتر الحضاري ومغازلة الغرب قال إننا مؤسسة مدنية لها جهودها الاجتماعية وإسهاماتها الإنسانية في المجتمع اللبناني.
لذلك يلاحظ أن تصرفات ما يسمى (حزب الله)، سواءً داخل لبنان أو خارجها، وعلاقاته المتعددة تعكس قوة متنامية، وسلطة فاعلة، ونفوذاً لا يستهان به، وكأن هذا الحزب المؤدلج دولة داخل دولة، رغم أنه في حقيقة الأمر مجرد أداة سياسية وآلة عسكرية بيد الإيرانيين يوجهونه وفق مصالحهم القومية في المنطقة العربية.
هذه الخصوصية التي حققها (حزب الله) منذ تأسيسه العام 1982م، شكلت إلهاماً سياسياً لحركة الحوثيين في اليمن منذ تأسيس حركتهم باسم حركة (الشباب المؤمن) في صعدة العام 1992م، على يد حسين بدر الدين الحوثي الذي قُتل خلال مواجهات عسكرية مع القوات اليمنية العام 2004م. فتولى قيادة الحركة عبد الملك الحوثي. كما شارك الحوثيون في ثورة شباب اليمن ضد علي عبد الله صالح التي قامت العام 2011م، وسموا أنفسهم بحركة (أنصار الله). إلا أن سلوكهم لم يكن كالأحزاب اليمنية الأخرى، فهم يُتهمون بالولاء لإيران، بعد التحول الفكري الذي طرأ على قيادات حركتهم، وبالذات قائدهم الأبرز حسين بدر الدين الحوثي، الذي اعتنق الرؤية السياسية للشيعة الإمامية (الاثني عشرية) الغالبة في إيران، فنجح في التأثير على أتباعه، خاصة أنه ينتمي لعائلة عريقة ومعتبرة في الأوساط الشيعية، لهذا تبدو الأدبيات والأفكار، التي يطرحها قادة الحوثيين متناغمة بشكل كبير مع الطرح الإيراني.
واليوم نجد أن حركة الحوثيين تسعى للسيطرة على الدولة اليمنية أو أبرز مناطقها، بل إن قواتهم تقترب من العاصمة صنعاء، من خلال محاولاتهم السيطرة على عمران بعد اشتباكات مع القوات الحكومية، وحجتهم أنهم يعترضون على النهج السياسي اليمني الذي أفضى إلى تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، بينما الواقع يُشير إلى سعيهم نحو إسقاط الحكومة اليمنية وفرض رؤيتهم تحت سياسة الأمر الواقع، خاصة أنهم يتمتعون بتدريب جيد ولديهم أسلحة نوعية وذخيرة كبيرة. وبالتالي تأسيس حزب أو إيجاد قوة تماثل (حزب الله) اللبناني تتركز في مفاصل الدولة اليمنية، بحيث تخدم السياسة الإيرانية، وتحقق مصالحها وتتحرك وفق أوامرها.