كشرت الطائفية عن أنيابها، وأصبح الشرق العربي مهدداً بالانفجار، بعد أن اشتعلت دول العراق والشام ولبنان بالحروب الطائفية، ولأسباب تاريخية، تسير ظاهرة الإرهاب في الشرق المسلم في اتجاه معاكس لما يجري في بقية العالم، الذي يتقدم نحو التسامح والسلام والمواطنة المدنية، بينما تتراجع تلك المبادئ في دول الشرق العربي، ويحل بدلاً منها مشاعر الكراهية والحقد والتصفية الجسدية، من أجل تحقيق دولة المؤمنين المنتظرة، ولا أعتقد أن الأمر يحتاج إلى مزيد من التحليل، فقد أصبح امتداد تلك الأحداث إلى الدول المجاورة خطراً حقيقياً، يهدد استقرارها، وينذر بالمآسي والكوارث..
بدأ تاريخ الثورات الطائفية منذ عام 1979، وذلك حين صاغ الخميني في المنفى المقدمات الدينية الطائفية للاستئثار بالسلطة، وإعلان دولة المؤمنين حسب الاجتهاد الشيعي، من خلال مفهوم «الولي الفقيه»، وهو مفهوم مستوحى من الأنظمة الشمولية، حيث يستأثر المرشد بمهام المهدي الغائب، وبكل الصلاحيات، ويصبح رئيس الجمهورية، والحكومة ومختلف المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية، تحت هيمنته، وتعمل وفقاً لتوجيهاته وقراراته.
قد كان ذلك الحدث المحرض الأكبر للطائفية في الشرق، فقد أثارت اللغة الطائفية في الخطاب الديني الشيعي مكامن التفكير الطائفي بين السنة، ثم التنظيم والعمل من أجل تحقيق دولة المؤمنين السنة المنتظرة، ومنذ ذلك الوقت بدأ تشكيل الحركات الجهادية السنية، ساعد في ظهورها أخطاء سياسية لن تغتفر، وكان من أهدافها تكوين جبهة جهادية سنية ثورية ضد دولة الفقيه الشيعية، وقد هيأت تلك التسهيلات السياسية الشعوب ليوم المواجهة الكبرى بين التطرف الطائفي الشيعي والتطرف الطائفي السني، كما تظهر في أجنحتها المتفرعة عن القاعدة.
تنقل الصور الحية من العراق مشاهد النفير العام بين الشيعة المتطرفين في الجنوب، وذلك استعداداً لمواجهة التطرف الجهادي السني والثوار في الشمال، ويظهر في تلك المشاهد دور العمائم في دفع الناس نحو الهاوية، وكأن لحظة الانتقام من التاريخ القديم قد حانت، بينما يتصور ثوار داعش وحلفائهم أن الوقت قد اقترب لإعادة سيناريو القادسية في الانتصار على الفرس وحلفائهم، وسيكون الضحية من هذا الصراع الدموي هو المستقبل، الذي سيولد مشوهاً، وربما معاقاً، وعندها لن ينفع الندم، ولا تعيد المواويل العراقية الحزينة الوطن العراقي ليكون بلداً للعراقيين، والذي قد يتحول إلى دول طائفية صغيرة، تحكمها البغضاء والكراهية، وتسكنها الأحزان والخوف.
سيكون الهلاك حتمياً إذا اعتقد متطرفو الشيعة والسنة أن هناك منتصراً في نهاية تلك الفتنة، فالحرب كما علمتوها وجربتوها سابقاً، لن تخلف إلا اليتامى والمعاقين والدمار، وإذا لم يتدارك أهل العراق المرحلة، ستكون عواقب الحرب وخيمة جداً، ووجه الخطورة أن هذه الحرب قد تجر بقية الدول المجاورة إلى المعركة، في حال قررت إيران الدخول إلى المعركة داخل العراق، والانتصار لطرف ضد آخر.
ستواجه دول الخليج العربي وأيضاً اليمن مزيداً التحريض والإثارة من أجل الدخول في المعركة الطائفية، ولا بد أن يكونوا في قمة العقل والوعي، ويحتاج الأمر إلى مزيد من العمل الإجرائي والوقائي ضد انتشار الفكر الطائفي داخل أوطانهم، وقبل ذلك عليهم أن يعززوا من روح المواطنة المدنية، وأن يحترموا حقوق الأقليات، ولكن في نفس الوقت أن يكونوا حازمين مع من يحاول إثارة النعرة الطائفية في بلدانهم، والله المستعان.