يُستخدم مصطلح الهامش لوصف الفراغ الذي يدور حول حواف النص الرسمي، ويستخدم في بعض الأحيان لكتابة الحواشي، وبعض التعليقات الطارئة، والتي عادة لا تلتزم بأصول النص الرسمي، ويُقال أيضاً فعاليات على هامش المهرجان الرسمي، وأحياناً يستعمل لفظ هامشي للتقليل من شخص ما، والهامش في الحياة الاجتماعية، هم أولئك الذين يعيشون منبوذين على هامش القرارات وهامش الثروات، ويتعرضون إلى الذل بسبب الفقر والحاجة، وقد كانوا في حقبات مضت مصدر إلهام للشعر، وفي الزمن المعاصر مادة دسمة للروائيين، وقد كان ولا زال الإبداع الأدبي على قدر المأساة.
في تراث العرب القديم كان هناك ظاهرة يُطلق عليها الصعلكة، والمأخوذة من قولهم: «تصعلكت الإبل» إذا خرجت أوبارها وانجردت، ومن هذا الأصل اللغوي، أصبح الصعلوك هو الفقير الذي تجرد من المال، ثم انسلخ من انتماءاته، ودخل في الحياة على الهامش، وإذا كان الأصل اللغوي لهذه الكلمة يضع الأمر في دائرة الفقر والمنبوذين، فإن الصعلكة في الاستعمال الأدبي لم تخرج عن النص، ولم تعن الضعف والمذلة.
مصدر الصعلكة أن القبيلة في العصر الجاهلي كانت تقوم على النظام الإقطاعي الذي يستأثر فيه السادة بالثروة، في حين كان يعيش معظم أفراد الطبقات الأخرى على الهامش أوكصعاليك محرومين، فظهر من بينهم جماعة رفضوا أن يستغل الإنسان أخاه الإنسان، وخرجوا على قبائلهم باختيارهم لينتصروا للضعفاء والمقهورين من الأقوياء المستغلين، ومن أشهر هؤلاء عروة بن الورد الملقب بأبي الصعاليك أو عروة الصعاليك.
كان في شعر الصعاليك أو المهمشين في جاهلية العرب سمات من الترفع والسمو والشعور بالكرامة، ويظهر ذلك في شعر بن الورد:
إني لأثوي الجوع حتى يملني
فيذهب لم يدنس ثيابي ولا جرمي
فهو أي الصعلوك صابر على الجوع، ويكفيه الماء الصافي العذب، وإذا ما وجد طعاماً فضل إطعامه لغيره، وفي ذلك إشارة لسمو أنفس الصعاليك ولترفعهم عن الدنس، وإن تضور جوعاً، بينما يصاب كل من حوله من أشحاء النفوس بتخمة من الطعام، ولكن يمتنعون عن إطعام المحتاجين. بعد خمسة عشر قرناً من زمن الصعاليك العربي، أصبح أدب الهامش أو سيرة الهامش العربي عنوانا لحركة أدبية ازدهرت في العصر العربي الحديث، وقد راج تراثها واشتهرت أدبياتها في العالم، ويأتي على رأس هذه القائمة سيرة الكاتب المغاربي محمد شكري (1935 - 2003م)، والذي عاش حياة قاسية، لكن سيرته الذاتية الخارجة عن سلطة النص، أحدثت انفجاراً من نوع آخر في صفحات السيرة الرسمية..
وذلك عندما كتب مشاهد تفصيلية وبلغة عارية تماماً من الاحتشام والستر عن حياة المنبوذين من رعاية السلطة الاجتماعية، وذلك من أجل إبراز صوت الهامش في مدينته بأعلى نبرة ممكنة، وقد واجهت سيرته الحافية أسواراً عالية أمام معارض الكتب الرسمية في العالم العربي، لكنها رغماً عنها، اخترقت جدرانها لتطلق سلطة الهامش في مواجهة السيرة الرسمية.
كان سبب بروز أدب الهامش في تلك الصورة المثيرة للاشمئزاز والجدل، الإهمال المركزي الذي يصل في كثير من الأحيان إلى حد الحرمان والعبودية، لكن المفارقة أن الصورة اختلفت ما بين زمن الصعلكة العربية، وبين سيرة الهامش العربي في العصر الحديث، فقد اختار عروة بن الورد وغيره من شعراء الصعاليك أن يلتزموا بأخلاقيات النص، وأن يغيبوا مشاهد وتفاصيل البؤس عند المحرومين، وأن يقدموا صورة سماتها الأنفة والعزة والخروج ضد حالة التخمة التي تعاني منها النخبة المستبدة بالأمر..
في حين لم يلتزم محمد شكري وغيره من أدباء الهامش في الحقبة العربية الحالية بأخلاق النصوص الرسمية، وذلك عندما كتبوا بلغة لا تعترف بالأخلاق الواجب احترامها عند تقديم مشكلة ما، وأن يصفوا الحقيقة المرّة بكامل تفاصيلها المثيرة للاشمئزاز، وقد تمثل سيرته المنشورة إعلانا صارخا لانهزام وانهيار للأخلاق العامة، التي تستخدمها السلطة كلقاح ضد محاولات فضح الانتهاك اللا محدود لحياة المهمشين في بعض المجتمعات العربية، لكنها أيضاً قد تعني في وجه آخر حالة من الاستسلام والخنوع التام للمنبوذين أمام سطوة السلطة الرسمية.