أظهر استدعاء دولة الإمارات العربية المتحدة للسفير العراقي لديها في وقت سابق احتجاجاً على تصريحات رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي ضد السعودية، مدى الانسجام والتوافق السياسي بين البلدين الخليجيين، ولو رسمنا أي خط أو مؤشر لعلاقات أبوظبي الرياض لوجدناها اليوم في قمة تقاربها وتوهجها ودينميكيتها ومشاركتها وتفاهمها تاريخيا.
وفي وقت سابق سحبت الرياض وأبوظبي سفيريهما من دولة قطر، بسبب أمور تتعلق بمصالحهما والتوافقات الأمنية، وما وصف بتحركات الدوحة ضد مصالح الدول الخليجية، ودعمها للإخوان بشكل علني، وتوفير منابرها للهجوم على دول شقيقة وجارة. وسعت العاصمتان طوال الفترة الماضية -ولا تزالان- لإقناع المسؤولين القطريين بالتوقف عن الإضرار بمصالح جيرانها، وبذلتا مجهودات كبيرة، دون تجاوب، لتتفقا على سحب سفيريهما. في ظل مشاورات مستمرة الآن من أجل تنفيذ اتفاقية الرياض وما التزمت الدوحة به للعودة إلى «الوضع الطبيعي».
وقفت السعودية والإمارات بحزم سياسي كبير ضد محاولة إحداث الفوضى في أكثر من دولة عربية، وفي مقدمتها العمق، مصر، التي تنقل اليوم لمرحلة جديدة في ظل انتخابات كبيرة تشهدها البلاد لاختيار رئيسها للمرحلة التالية، والتي تشير كل التوقعات إلى أنه الرجل القوي عبدالفتاح السيسي والذي يتمتع بعلاقات استثنائية مع العاصمتين الخليجيتين.
استطاع التنسيق الكبير بين البلدين أن يوقف الوضع من التدهور إبان الحكم الإخواني البائد، وأيضا في مواجهة محاولة التنظيم الإخواني العالمي زعزعة الأمن في دول المنطقة وتحديدا في البلدين القويين. وكان لوقفتهما مع 30 مليون مصري نزلوا للشارع مطالبين الإخوان بالرحيل والتوقف عن جر مصر للهاوية والفوضى.كان لذاك الموقف العربي الشجاع دور تاريخي في استقرار مصر وبقائها وحدة متماسكة، ومن ثم إيقاف كل المقامرات المجنونة بالأمن القومي العربي.
لم تشهد اتفاقية ثنائية مشتركة عليا بين دولتين حجم الترحيب الشعبي كما شهدته الاتفاقية السعودية-الإمارتية، والمزاج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الإيجابي جدا نحو هذه الخطوة التي ستشكل تدعيما استثنائيا.
هذا التحالف الثنائي ليس شكليا، بل استثنائي، و في عمق الأحداث. وتبلور قبل إعلانه، فالرياض وأبوظبي أول من نبه «للخراب العربي»، والفوضى القادمة تحت جناح أحزاب الإسلام السياسي، وفي مقدمتهم جماعة الإخوان الإرهابية. فالمخطط التخريبي الكبير كان واضح المعالم في شخصياته وجغرافيته، لكن لم يكن أحد يملك الجرأة للوقوف في المواجهة وتحدي العاصفة التي لا تألو إلا على مزيد من الفوضى والتفكيك للدول والأوطان وإضعافها.
وحدهما السعودية والإمارات كانتا حاضرتين ومدركتين للمخاطر التالية، ورصد طيور الظلام المنتظرة، لتجد كل تلك الآمال العابثة، وجدت نفسها في مواجهة حزم سياسي - تاريخي. حزم وصرامة تتقنه القيادات التاريخية الكبيرة في اللحظات المفصلية، ودون خوف من مساومات دولية، أو نظريات عالمية ومصالح عائمة، كانتا مستعدتين تماما للمواجهة وكشف المرحلة التالية من الفوضى ومخطط الشر.
وما هذه اللجنة العليا المشتركة بكل فاعليتها إلا تتويج لتلك الصورة الكبيرة التي استطاعت أن تفضح الربيع الإخواني المزعوم، إلى القبض بيد من حديد على الاستقرار.. استقرار الأوطان والتنمية.. والمضي نحو المستقبل.
النموذج الراهن للتنسيق العالي المستوى والتأثير في الخارطة السياسية الإقليمية والعربية هو نتيجة لرؤية إستراتيجية لقيادتي البلدين للوصول إلى آفاق أرحب وأكثر أمناً واستقراراً لمواجهة التحديات في المنطقة، وذلك في إطار كيان قوي متماسك. إذاً هي قوة إقليمية سياسية واقتصادية وعسكرية ضاربة، برؤية بعيدة للمستقبل الأشمل في أبعاده المختلفة.
وأتوقع أن تلحق بهما مصر العربية بعد فرز نتائج الانتخابات لتصبح عمقا ثلاثيا عربيا قويا.. ستتجه إليه دول عدة بعد تطهرها وتطهيرها من «الربيع الإخواني» الزائف..