كشف تقرير حديث عن وجود تركز جغرافي واضح للناتج المحلي الإجمالي العربي في 7 دول غالبيتها نفطية هي: السعودية والإمارات ومصر والعراق والجزائر وقطر والكويت، حيث يبلغ ناتج تلك الدول نحو 2.2 تريليون دولار بنسبة 81% من إجمالي الناتج العربي لعام 2013. وأشار تقرير المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات المستند الى إحصاءات صندوق النقد الدولي إلى تأثير الإيرادات النفطية الواضح على الميزانية، مع توقعات باستمرار تلك الموازنات في تحقيق الفوائض خلال عام 2014. كما تحسن أداء المالية العامة في 7 دول عربية بارتفاع للفائض المالي في دولتين، وتراجع العجز في 5 دول، مع ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية من 2663 مليار دولار عام 2012 إلى 2716 مليار دولار خلال العام 2013، مع توقعات بمواصلة ارتفاعه بمقدار 52.7 مليار دولار ليبلغ 2853 مليار دولار عام 2014. وأضافت المؤسسة في تقرير ضمن نشرتها الفصلية الأولى لعام 2014 أن حصة الدول العربية من الناتج العالمي زادت من 2.9% كمتوسط للفترة ما بين عامي 2005 و2009 إلى 3.7% عام 2013، مع توقعات باستقرارها حول تلك النسبة خلال عامي 2014 و2015 إلا أن حصة الدول العربية من إجمالي ناتج الدول الناشئة والنامية تراجعت من 10.3% للفترة ما بين عامي 2005 و2009 إلى 9.6% عام 2014.
ولفت التقرير إلى تراجع مؤشر الدين الخارجي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من نحو 34% كمتوسط للفترة بين عامي 2000 و2009 إلى 29.4% خلال عام 2013. إلا ان حجم المديونية الخارجية الإجمالية للدول العربية ارتفع من 585 مليار دولار كمتوسط للفترة بين عامي 2000 و2009 إلى 780.6 مليار دولار عام 2013، مع توقعات بارتفاعها إلى 798 مليار دولار عام 2014، متوقع تحسن مؤشرات المديونية الخارجية وتراجعها في عام 2014، مقارنة بالعام السابق من ناحية القيمة في دولتين، وتحسنها وفق مؤشر النسبة من الناتج المحلي الإجمالي في 6 دول عربية. كذلك قفزت الاحتياطيات الدولية من العملات الأجنبية في الدول العربية من متوسط سنوي بلغ 730 مليار دولار خلال الفترة ما بين عامي 2000 و2009 إلى 1374 مليار دولار عام 2013، مع توقعات بمواصلة الارتفاع إلى 1482 مليار دولار عام 2014. وبحسب التقرير فإن معظم موازنات الدول العربية تعاني من عجز، وخلال عام 2013 حققت موازنات دول الخليج (فيما عدا البحرين) فوائض مالية مقابل عجز في موازنات بقية بلدان المنطقة.
وفي حديثه لـ«الجزيرة» قال الخبير الاقتصادي علي الجحلي إن التقرير أعطى صورة غير واضحة للاقتصاد العربي والتقلبات التي أثرت عليه خلال السنوات الثلاث الماضية . منوهاَ بان الاستقرار الاقتصادي والوفرة المالية التي حققتها اقتصادات دول مجلس التعاون بشكل عام , والدول العربية التي لم تتأثر بما يسمى «الربيع العربي» أدى إلى إعطاء صورة أقل دموية من الواقع المرير الذي تعيشه الدول العربية التي وقعت ضحية الثورات. وأضاف قائلاً : عانت الدول العربية خصوصاً ليبيا و مصر وتونس واليمن و سوريا من انخفاض في الإيرادات العامة و تدهور سوق العمل و انخفاضات غير مسبوقة في أسواق الأسهم التي خسرت بمجملها أكثر من إجمالي إيرادات الدول لعام واحد. على أن ليبيا بدت أقل تأثراً من غيرها بسبب محاولات المحافظة على الصادرات النفطية بمجرد سقوط رأس الحكم في الدولة و الذي كان يحافظ على كبت المعلومات الاقتصادية عن الشعب في محاولة للمحافظة على مستوى الدخل تحت مستويات معينة و البنية التحتية أقل من المستوى الموجود في دول غير نفطية.
مضيفاً أن هذا الوضع القلق يجعل المعلومات الاقتصادية تحت سيطرة مجموعة من المؤسسات التي تفقد مصداقيتها بسبب التأثير المباشر للقرار السياسي على شفافية المعلومات عدا عن ذلك تواجه الدول العربية إشكالية الإفلاس إذا نظرنا إليها من منظور اقتصادي بحت , فالأغلبية تصل نسب البطالة فيها معدلات تزيد على 30 في المئة من حجم القوة العاملة. بل إن المشكلة الأكبر تكمن في اعتماد الدول على المعونات الاقتصادية التي تؤثر على سيادة الدول و قدرتها على اتخاذ القرارات , إضافة إلى التدخل السياسي الذي يفقد جهات الرقابة والإحصاء مصداقيتها.
واستطرد قائلاً : عندما نتحدث عن ناتج قومي يصل إلى 2853 مليار دولار فنحن نتحدث عن مجموعة محدودة من الدول التي تساهم بما نسبته 80% من المبلغ الإجمالي. هذه الدول لا يتعدى تعدادها السكاني 15% من تعداد سكان العالم العربي. أي أننا نتحدث في الواقع عن عالمين مختلفين , وهو ما يجب أن نركز عليه في قراءة المعلومات الاقتصادية في العالم العربي. فئة تعيش وفرة مالية غير مسبوقة , وفئة أخرى تعيش حالة من الكساد الاقتصادي غير المسبوق بسبب تردي الأوضاع الأمنية والسياسية. مشيرا إلى أن بين هذين العالمين مجموعة من الدول التي لم تتمكن هي الأخرى من تحسين وضعها في الترتيب العالمي, هذا الاختلاف يجب أن يكون مدعاة للتفريق بين المؤشرات أو لنقل الخروج من استخدام المجموعة العربية ككتلة اقتصادية واحدة , فهي لم تكن و لا نتوقع أن تكون كذلك لأسباب كثيرة .
وقال الجحلي: فقدت دول المنطقة في خضم اللامبالاة الاقتصادية الميزة الكبيرة التي كانت تحققها المواد الخام لها في السوق مما أدى إلى ارتفاع تكلفة التصنيع و الاستفادة من المواد الخام. أمر كهذا مع تدني مستويات التعليم والتدريب في العالم العربي أدى إلى موارد بشرية منخفضة الكفاءة و القدرة مقارنة مع الدول المنافسة. إضافة إلى أن التجميع غير المنطقي سيؤدي إلى سحب الاقتصادات الكفؤة للأسفل لتخسر المزيد من الأموال في محاولة استنقاذ الاقتصادات المتدنية والتي تعاني من عدم القدرة على التفاعل مع المستجدات. هذه الإشكالية بالذات هي الخطر الأكبر الذي يواجه الاتحاد الأوروبي اليوم , الذي أصبح همه الأكبر هو استنقاذ الاقتصادات الخاسرة لتلحق بالاقتصادات الكفؤة . إلا أنه أصبح يخسر كل سنة المزيد من الاقتصادات بسبب الفرق الشاسع بين البنى التحتية والطاقات البشرية لدول كألمانيا مقارنة باليونان وإسبانيا على سبيل المثال.
ويأتي من ضمن الأسباب لعدم كفاءة هكذا تجمع , التقدم الثوري في تقنية المعلومات وأساليب الإنتاج التي أوجدت حالة من عدم المركزية في الإنتاج و التحليل ما يزيد حدة المنافسة بين الاقتصادات المرنة كالهند والبرازيل مقارنة مع دول المنطقة. مؤكداً أن هذا التقرير والتقارير الأخرى مما يحتوي على إحصائيات تنظر للعالم العربي ككتلة اقتصادية واحدة تظلم الدول التي تواجه مشاكل حقيقية أدت إلى ارتفاعات قياسية في البطالة وانخفاض في كفاءة و معدلات الإنتاج و بالتالي دخل الدولة وانعكاس ذلك على الأفراد.