ينسبُ للإمامِ الشافعيِّ قوله: «إن أرفعَ الناس قدرًا من لا يدري قدرَه»، واللاأدريةُ هنا تعني عدمَ الإدلالِ بها والإدلاءِ بما يرويه تمثلُها من حديثٍ فجٍ عن النفسِ بما يرفعُها فوق مقامها الخطَّاءِ القاصرِ، ووعينا عن «عمرَ «العظيمِ وضعَه خذَّه على الأرض حين أحسَّ عُجبًا بذاته، وقرأنا في سير الكبارِ تواضعَهم، ووعينا من المعاصرين من لا يُعرف فضلُهم عبر أشكالهم ولا تبدو قيمتُهم إلا لمن دنا كثيرًا منهم.
)) أقرؤونا صغارًا إيليا أبا ماضي في «نسي الطينُ ساعةً أنه طينٌ حقيرٌ فصال تيهًا وعربد» وآمنا كبارًا أن الطينَ لا يَنسى لكنه يتناسى ويعلمُ غير أنه يتجاهل، ومعظمُ المتورمين يزِنون أدواءَهم ولا يتداوون، وسادت لغةُ الاستعلاءِ وحرَص الأكثرون على اجتلابِ الثناء عبر الخبرِ والصورةِ والوسائطِ والعلاقاتِ دون أن يفترق ناشئٌ عن متكونٍ ومعرفٌ عن متعرف.
)) وبالرغم من بؤسِ التيهِ أَستند على أُسٍّ أم نصب أعمدةً في الهواء فقد نتوقعُ ناتجه اعتزازًا بالذاتِ والمنتجِ وهو ما لم يتحقق وسط الاستلابِ الطوعيِّ الذي يصنعُ دمىً متضخمةً تبدو للرائي ذاتَ حجمٍ وحين ندنو منها نعرف أنها تُحاكي الفراغ، تمامًا كما يحاولُ بعضُ ذوي الأوزانِ الفارغةِ ملءَ الخواءِ بالارتماءِ المُضادِّ سعيًا لإشعالِ الساحةِ بهديرهم ولو جادلوا لجُندلوا وتبين خواؤهم.
)) شهدت الأزمنةُ من ركبَ سهلًا كي يبلغَ سريعًا، وليس أيسرَ من مخالفةِ السائدِ المنطقيِّ؛ فكذا فعل ذوو الأهواءِ الابتداعيةِ في قضايا الدين المعلومة بالضرورة، وكذا يصنعُ من يرى الاتجاه غربًا إذا شرَّق الناسُ وشرقًا إذا غرَّبوا، ومن يُميِّزُ نفسه بين مماثليه، وندم الصحابيُّ «بريدة بن الحصيب» على ارتدائه ثوبًا أحمرَ وارتقائه الثلمة يوم فتح خيبر كي يُرى فيُعرف بين المرتقين وروي عنه قولُه: إنه لا يرى له ذنبًا أعظمَ منه، وجاء في سيرة شيخ أهل الشام التابعي الجليل خالد بن مَعْدان أنه حين تعظم حلقتُه بأعداد الدارسين ينصرف خوفًا من الإعجاب بالنفس، وأين منه المتكاثرون بالمتابعين والمريدين والمصفقين والمصطفِّين ؟
)) أشكالٌ ملونةٌ يُهمُّها أن تُذكرَ ولو بالنقيصةِ أو بالتلغيز، وتستوي في ذلك الثقافتان العربية والأوربية ؛ فقد أشار إليهم الإمام أبو حامد الغزالي في «الإحياء»؛ ممن يخرجون على الدين حين لا يجدون في التوسط شهرةً يسعون إليها، وبالمثل تحدث شيخ الإسلام ابن تيمية في «الرد على المنطقيين» عن فئامٍ تلجأُ للإغراقِ في الإغلاق كي ترسمَ لها مكانًا علميًا عليًّا يحول دون مناقشتها، وبشبه هذا كتب الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو وآخرون.
)) واليوم نشهدُ أمثلةً تترى حول الباحثين عن الشهرة، وربما اشتُهر بعضُهم فإذا انحسرت الأضواءُ اجترح إثارةً استهدف فيها رمزًا أو ثابتًا أو اخترع حكايةً أو تندر بحكمٍ أو حكمةٍ أو تأريخ.
)) الشهرةُ سراب.