تأتي لحظة يأمل الكاتب أن يقف في محطة ما..
ينتحي ركنا تأوي إليه نفسه..
يتحدث إليها مع كوب من التأمل، وطبق من الاستشراف.. ورغيف من عجينة الذي مضى..
الجلوس إلى طاولة النفس متعة، وإرهاق.. يتداخلان فيما هناك جدل حميم تصطفق به جدرانها.. حين يكون هو نفسه، وهي ذاته..!!
تحديدا عند الذين يجلدون هذه النفس بطموحها الوثاب، وهي تلسعهم بمراجعاتها دفاتر الوقت الذي مضى..،
وسطور ما حُبِّر من حروف في مسيرة الحس والفكر بما زيد إليها، وبما فاتها، ونما نقص منها..
عادة النفوس لا تنقص إلا بخسارة تتفاوت، وحين تكون فادحة فلأن غفلةَ طيبةٍ أخذته عنها، أو حمولة تكليف كبلها بها، مع أنه في إيثار لهذه النفس فيه..!!..
مع أنّ النفس لا تأبى الإيثار، غير أنها تعتب عند الجلوس إليها عما ترك صاحبها من حقها ولم تنل..، أو كان لها فوهبه لغيرها ولم يعدل معها..!!
وهي لا تنهض على طاولة المواجهة معه إلا لتقول له: كَفيت بذلا لغيري، وقصَّرت معي..!!
الكاتب قلِقٌ تحثه لمحةٌ، وهو تعِبٌ تكدُّه فكرة..، وهو حين يكون همه الإيفاء بميثاق الثقة فيها، والعهد برابط الأمانة منها، ينساها نفسه هذه من حيث لا يدري، .. غير أنه في الوقت ذاته يرصد لها ما يمكنها من الهدوء ..
وهو إن أعطى فتكريما، وإن امتنع فتعزيزا، وإن أخلص فثقة،..
هي في النهاية كله، فكره ولغته، هي حرفه، وكلمته، وجملته، وكامل عباراته..، هي مبناه، وصناعته، مجازه، وكنايته، شبهه، جناسه، وطباقه، هي إشارته، هي معناه، ودلالته، وهو كلها ما أنتجها، وأظهرها، ونطَّقها نشرها، وأسلمها.. فإن نسيها نفسه هذه في خضم كل هذا، فكيف وهي غراس ما يكتب، ومؤونة ما يطلق، وفي كل مواقفه التي لها أن تقف في صمت أمام رغبته في منحها استراحة عن الغوص بلا شهيق..!
فلها أن تسلمه كفها ليأخذها إلى ركن قصي ينفرد بها بعيدا عن شحذ الفكر، ويقظة القلق، ورهق اللمحة، ومشاغبة الأطياف..، ومطارق الأحداث ومواقدها..!!
اليوم أعذروني فسوف أفعل هذا بنفسي.. سآخذها لركن قصي.. لجدلها الذي لا يعتقني..
ولهدوئها الذي سيرتبني..
ولا أحسب أنني إلا سأبقى مشوقة لمنصة اللقاء اليومي بكم..
وسنلتقي بعد إجازة عيد الفطر إن شاء الله، إن كانت هناك بقية من عمر..
كل عام وأنتم أعزائي قرائي المميزين المتميزين بخير..،
وفقكم الله لصيام رمضان، وللقبول، والفوز بالعفو، والمغفرة، والعتق من النار.. وجميع من شهد بالوحدانية، وآمن بالله تعالى ربه، ورضي برسوله العظيم نبيه، وبالإسلام دينه.
تحية لأبي بشار قائد مركبة الجزيرة، وللعاملين بمكتبه على كريم التعامل، وفاضل التعاون طيلة العام وإلى اليوم وأنا أحبر لكم هذه الحروف، وأفضي بأمنياتي.
وإلى أن نلتقي على خير إن شاء الله، تحياتي، وامتناني للجميع.