يُلاحظ هذه الأيام تقارب المستوى الذهني والمنجز التحصيلي ومنطق التفكير بين طلاب التعليم الثانوي والجامعي، فلا تكاد تجد فوارق بين هاتين الفئتين من الطلاب، ولاسيما في طرق التلقي التعليمي، وتناول التفاصيل اليومية، والنظر إلى الحياة العامة بأسلوب متقارب وموحد.
وحينما تتأمل هذه العلاقة وتتلمس مستوى التفكير المتقارب بين الطالب الجامعي ومن هو بالمرحلة الثانوية أو المتوسطة، ستجد أن الكثير من الاهتمامات موحدة، ولاسيما في مجال تلقي المعلومات والترفيه والتسلية، على نحو الألعاب، والميل إلى الاندماج برؤية جمعية، فتجدهم يمارسون سلوكيات متقاربة جداً، لتؤكد هذه الرؤية ألا فرق بينهم إلا في أسماء الصفوف والمراحل التعليمية.
فالجامعات في السابق كانت محدودة العدد والانتشار، فتجد أن الطالب الجامعي يدخل عالماً آخر غير عالمه اليومي، فيصادفك أن أحدا من هؤلاء الطلاب الجامعيين من هو تاجر، أو يقف مع والده في السوق، أو فنان مميز، أو ممثل، أو مهتم في أي مجال، ويتمتع بقدرات ومقومات تجعله منفصلا عن أي مرحلة من مراحل التعليم الأخرى.
وعلى سبيل المثال فقد كنا نحضر قبل أكثر من ثلاثة عقود العديد من المسرحيات الناضجة لطلاب جامعة الملك سعود بالرياض، وهم في كامل إدراكهم وتوهجهم الفني ومتابعتهم للمرحلة الاجتماعية والاقتصادية، أضف إلى ذلك اهتمامهم بالخطابة والإسهام في التعليم، والتحول النوعي في فهم الحياة، والجدل المعرفي، والاهتمام بالمكتبات والبحوث، والمشاركات الرياضية والمسابقات واللقاءات بين الجامعات محلياً وعربياً ودولياً، وهذا ما لا نراه في الطالب الجامعي اليوم إلا لمماً!!
ونحن هنا لا نقلل من شأنهم ودورهم، إنما هي نظرة تأملية استشرافية تسجل فرضية هذا التقارب في المراحل التعليمية التي يجب أن تتم مراعاتها في عمل أي برامج مستقبلية، لكي تسعى إلى تقدير هذه المساحة المعنوية والنفسية بين الطلاب في المرحلة الجامعية وطلاب المرحلة الثانوية.
ففي ظل هذه الطفرة المعلوماتية ووسائل التلقي الكثيرة فإن التعليم العام سيتداخل مع التعليم الجامعي، وستنمحي - فيما يبدو - الفوارق بين المراحل ما لم يكن هناك برامج ثقافية وتعليمية تعيد للمشروع التعليمي حيويته على نحو مشروع التعليم الجامعي في الجامعات العالمية الشهيرة .. تلك التي تتفاعل مع الأحداث والتغيرات وتدرس مناخ التعليم من أجل تطويره وفق التحولات النفسية والسلوكية لحالة الطالب.
فالبيئة التعليمية ووسائلها في عالمنا العربي اليوم لم تختلف، ولم يكن هناك وسائل جديدة، وتم حصرها من حيث النشاط الابتكاري والإنساني في هموم التحصيل العلمي، وحينما نتتبع مسيرة التعليم فإننا نلمح التقارب الذي يمكن أن يكون واضحا بين الطالب الجامعي وطالب المرحلة الثانوية، ومرده في ذلك إلى توحد الفكر الترفيهي اللا تعليمي، أي أن هناك سمات باتت تتمثل وتتشابه وتتلاقى بين الطلاب ولم تعد تميز بين التعليم أهو عال أم تراه عاما..؟!
وقد ترى بعض الجامعات الآن وكأنها مدرسة ثانوية كبيرة، لا من حيث البيئة أو الشكل إنما في التعاطي مع الطالب، أي أن هيئة التدريس في الجامعة أصبحت حالة معتادة، ولم يعد هناك تميز واضح للأستاذ الجامعي مما ساعد في غياب هذه الخصوصية التي كان يتحلى بها التعليم الجامعي على مدى عقود سابقة، وقد يعاد هذا السبب إلى أن الجامعات باتت تبحث عن بدائل أقل كلفة، مما قد يضعف هذه المشاريع التعليمية الجامعية ويحد من تميزها، ويحيلها مع الوقت إلى مجرد اسم جامعة في بيئة مدرسة ثانوية كبيرة.