صدر تقرير حديث لـ«ساما» عن التضخم للربع الأول لعام 2014م، وهو من أهم التقارير التي تصدر عن «ساما»؛ لأنّه تُبنى عليه كثير من القرارات الاستثمارية بالسوق السعودي.. ويشير هذا التقرير إلى ارتفاع الرقم القياسي لتكاليف المعيشة بنسبة 0.5 في المئة في الربع الأول من 2014م مقارنة بالربع الرابع من العام السابق، أيْضًا يشير إلى ارتفاعه بنسبة 2.8 في المئة في الربع الأول من عام 2014م مقارنة بالربع بنفس الربع من العام السابق.. أيّ أن التقرير يُوحي بارتفاع معدل التضخم في كلِّ مقارناته، سواء من ربع لربع أو من سنة لأخرى.. إلا أن التقرير أعطى إشارات مهمة بتوقع تراجع معدلات التضخم في الربع الثاني أو ربَّما بدءًا من الربع الثاني، بناء على توقعات لصندوق النقد الدولي بتراجع معدلات التضخم في أهم (15) دولة مصدرة للمملكة، وهذه نقطة مهمة للغاية.. نحتاج لفحصها وتحديد مدى أهمية ومسئولية استيراد التضخم بالسوق المحلي؟
تواصل ارتفاع معدل التضخم
لا يزال معدل التضخم يواصل ارتفاعه أو وجوده، لأنَّه حتى وإن سجَّل معدل التضخم تراجعًا في بعض الشهور أو الأرباع، إلا أنّه مع هذا التراجع، فلا يزال موجودًا، فعندما نتحدث عن تراجع معدل التضخم من 3.9 في المئة في مارس الماضي إلى 2.6 في المئة في مارس الحالي، فإنّه حتَّى مع هذا التراجع لا يزال هناك تضخم.. إلا أن هناك تحسنًا ملموسًا في هذا العام مقارنة بالعام الماضي الذي تفاقمت فيه معدلات التضخم كثيرًا.. وخلال الربع الأول من 2014م، سجَّلت مجموعات مُعيَّنة ارتفاعًا، وتُعدُّ هي المسئولة عن استمرار ارتفاع معدل التضخم مقارنة بالربع الماضي، من أهمها مجموعة التبغ التي سجَّلت معدل تضخم ربعي بنحو 2.6 في المئة، تلاها مجموعة السكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود التي سجَّلت 1.4 في المئة، تلتها مجموعة الصحة بنسبة 1.1 في المئة، مجموعة تأثيث وتجهيزات المنزل بنسبة 0.8 في المئة.
مصادر التضخم خلال الربع الأول 2013 - 2014م
حتى الآن لا تزال دراسات التضخم محدودة بالمملكة، ولا تزال مسبباته إلى حدٍّ كبيرٍ مجهولة المصدر، فكلنا نتحدث عن مجموعات التضخم كما تطرحها مصلحة الاحصاءات العامَّة، إلا أن تحديد هويتها ومكوناتها الحقيقية لا يزال أمرًا يحتاج لكثير من البحث والتمحيص.. فمجموعات التضخم خلال الربع الأول 2013 - 2014م هي كما يلي:
التبغ (6.3 في المئة)، تأثيث وتجهيزات المنزل (6.0 في المئة)، الأغذية والمشروبات (4.5 في المئة)، السكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود (3.9 في المئة)، التَّعليم (3.7 في المئة)، والصحة (3.2 في المئة).
ومن الملاحظ أن هذه المجموعات غالبيتها تمثِّل إما منتجات نهائية مستوردة أو أن النسبة الأهم من مدخلاتها الرئيسة هي مدخلات مستوردة أيْضًا، باستثناء مكونات التَّعليم والصحة، التي هي تمثِّل خدمات محليَّة، بالرغم من أن كوادرها البشرية (أيْضًا تُعدُّ مدخلات وافدة في كثير من الأحيان).
السوق العالمي ما بين تراجع أسعار السلع واستمرار معدلات التضخم بالدول
تُعدُّ ظاهرة استمرار ارتفاع معدلات التضخم بالمملكة - حتَّى رغم التراجع الملحوظ في الأسعار العالميَّة للمنتجات الغذائيَّة الرئيسة ومنتجات الطاقة والمعادن- ظاهرة عالميَّة وليس مقتصرة على المملكة فقط.. فتشير الاحصاءات الدوليَّة إلى تراجع المؤشر العام لصندوق النقد الدولي لأسعار السلع الأساسيَّة في عام 2014م بنسبة 1.4 في المئة، فضلاً عن تراجعه بنسبة 1.5 في المئة في عام 2013م، هذا غير التراجع القوي في عام 2012م بنسبة 3.2 في المئة.. وتشير تقارير صندوق النقد الدولي إلى أن هذا التراجع حدث جوهري في مجموعة الأطعمة في عام 2014م، يليها مجموعة المواد الزراعيَّة الأولية.
رغم كل هذا التراجع، إلا أن معدلات التضخم على مستوى غالبية الدول الصناعيَّة لا تزال مرتفعة، ففي الصين وصل معدل التضخم إلى 2.5 في المئة، ووصل إلى 2.5 في المئة في بريطانيا، وسجل 9.8 في المئة بالهند، و7.4 في المئة بتركيا، و5.9 في المئة بالبرازيل، و2.1 في المئة بأستراليا، و1.5 في المئة بالولايات المتحدة وألمانيا..
إذن فإنَّ من يتحدَّثون عن ظاهرة ارتفاع معدل التضخم بالسوق السعودي رغم تراجع الأسعار العالميَّة للأغذية الأساسيَّة، نقول لهم: إن هذا الأمر هو ظاهرة عامة على مستوى غالبية الدول الصناعيَّة والكبرى، وليس أمرًا سعوديًّا محضًا.
التضخم المستورد بالمملكة.. حجمه وتأثيراته
نأتي للجزء الأهم وهو: كم هو تأثير التضخم المستورد في التضخم السعودي؟ من يدقق في مجموعات التضخم السعوديَّة، يلاحظ سيطرة تامة على الدوام لمجموعتي التبغ والأغذية والمشروبات (والسكن طبعًا) يليها مجموعات أخرى أقل أهمية.. وللعلم بطبيعة البيئة الصحراوية غير الزراعيَّة بالمملكة، فإنَّ غالبية منتجات الأغذية والمشروبات تُعدُّ مستوردة من الخارج، بل إن المواد الغذائيَّة تُعدُّ أحد المكونات الرئيسة داخل هيكل الواردات المحليَّة بقيمة وصلت إلى 81.2 مليار ريال خلال عام 2013م وبنسبة 14 في المئة تقريبًا.. وبالتالي، فإنَّ استيرادها يكون بتضخم بلادها، بشكل يسهم بشكل كبير في صناعة التضخم المحلي. حتَّى المجموعات الأخرى وخصوصًا الخدميَّة، فإنَّ المدخلات المستوردة تسهم بشكل كبير في تكوينها..
وبالتالي، فإنّه من المعتقد أن استيراد التضخم يلعب دورًا مهمًا في صنع التضخم المحلي.. واستيراد التضخم هنا المقصود به استيراد التضخم من الدَّوْلة التي يتم الاستيراد منها، وليس ارتباطًا بارتفاع أو انخفاض قيمة السلعة المستوردة نفسها.أما بالنسبة للمجموعات السعوديَّة الخالصة، التي مصدر تضخمها يعتقد أنَّه محليًّا، فيلعب ارتفاع الطلب المحلي عليها الدور الأكبر في استمرار تضخم أسعارها، ولعل عدم مسايرة المعروض المحلي له دور في ذلك.. لذلك، فإنَّ هذه المجموعات هي مصدر لفرص استثمارية مغرية وجذابة.
توقعات تراجع التضخم المحلي بالربع الثاني الحالي
تعود هذه التوقعات إلى توقعات صندوق النقد الدولي بتراجع معدلات التضخم بأهم (15) دولة مصدرة للمملكة، وبالتالي توجد توقعات بتخفيف ضغوط التضخم المستورد محليًّا، بشكل يُتوقَّع معه حدوث تراجع ملموس في معدلات التضخم.. إلا أن توقعات هذا التقرير تسير في توقع أن يحدث هذا المؤثِّر تأثيره، ولكن بدءًا من الربع الثالث من هذا العام، نظرًا لوجود فجوة إبطاء في حدوث التأثير المدمج مع الواردات السعوديَّة، التي تحدث داخل نطاق فترة ليست شهرية ولكن ممتدة عبر العام.