بلادنا الغالية قامت على التوحيد، لا يُشادّ في ذلك أحد، ولا ينتطح فيه عنزان، وهي لا زالت حتى هذه اللحظة، بفضل الله ومنّه وكرمه، باقية عليه، متمسكة به، لا يضرّها من ضلّ، اتخذته منهج حياة، أساسه العقيدة والشريعة، توارثه الخلف عن السلف، سواء كانوا ساسة أو علماء ربانيّين، سار الاثنان على طريقين متوازيين غير متقاطعين، يستظلان كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وبسبب ذلك وهب المولى الكريم هذا (البلد الأمين) خصائص غير متوفرة في غيره، من الأمن والراحة والطمأنينة ورغد العيش، والدولة بمقدراتها العظيمة، التي أنعم الله بها عليها، سخّرتها في خدمة أقدس بقعتين على وجه الأرض، يتنافس قادة هذه البلاد الشرفاء، ويتسابقون في الارتقاء بمستوى الخدمات فيها تخفيفاً وتيسيراً على ضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين والزوار، واهتمام ولاة الأمر في هذه البلاد بشئون الحرمين الشريفين، كان شمولياً، ولعلي في هذه المقالة الخاطفة، أقتصر على جزئية، لعلها تندرج في سياق هذا النوع من الاهتمام، المسئولون عن الحرمين الشريفين، هم من يكون في الواجهة أمام ملايين البشر من المسلمين الوافدين لأداء عباداتهم التعبدية، كونهم حاضرين في المشاهد داخل الحرمين الشريفين، وما يتعلق بهما من مناشط وتنظيمات وما إلى ذلك، الحرمان الشريفان في مكة المكرمة والمدينة المنورة يشهدان في هذا العهد الزاهر حراكاً غير مسبوق، تلحظه بين أروقتهما من توسيعات خرافية، كانت في السابق مجرد أحلام، فجاء الملك الهمام خادم الحرمين الشريفين، الملك الصالح عبدالله بن عبدالعزيز، ليجعلهما واقعاً مشاهداً، لا تخطئه العين، في المسجد الحرام بمكة المكرمة، قامتان، شرُفت بلقائهما والاستماع إليهما في كل ما يخص هاتين البقعتين المباركتين من إنجازات، وخصوصاً المسجد الحرام، معالي الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس، الرئيس العام لشئون الحرمين الشريفين، ومعالي نائبه لشئون المسجد الحرام الشيخ الدكتور محمد الخزيم، لي معهما وقفات عدة بحكم تشرّفي بمقابلتهما والجلوس معهما، في غير موعد مسبق، هاتان القامتان، خرجتا من رحم مدينة العلم والمال، مدينة (البكيرية) في منطقة القصيم، سلّة غذاء المملكة، كما يحلو للبعض تسميتها به، الشيخان (السديس والخزيم) اختطّا لهما طريق العلم، وآثراه على طريق المال، هكذا أظن وليس بعض الظن إثم، وحكمي انطلق من مشاهداتي لهما وهيئتهما، وما يتمتعان بهن سمْت العلماء، وتواضع لا يتوقعه إلا من شاهده مثلي، أنت بمجرد ما تجلس مع هاذين الشخصين، يعود بك التفكير مباشرة لزمن الطيبين، زمن الأباء والأجداد، أصحاب القلوب البيضاء، والنوايا السليمة، أنت مع هاتين القامتين، تعيش مع السلف الصالح، هكذا أحسبهم ولا أزكيهم، لا تسمع من أفواههم إلا العلوم الغانمة والخيّرة، وحب الناس والولاء لقيادة هذا الوطن، معالي الشيخ الخزيم وجدتُ منه محبة لا أستحقها ذكرها لحبيبه وأنيسه معالي الشيخ السديس، الذي بادره بالقول، لقد أحببتُ هذا الإنسان (يقصدني) بمجرد ما رأيته، ومن لطف معالي الشيخ السديس، أنه أشاد بكتاباتي الوطنية بالجزيرة، وما له علاقة بالقيادة والمجتمع، وأكد إعجابه بمقالاتي عن مسقط رأسي الزلفي، وقال أنعم بك وبأهل الزلفي، وأشار إلى مشايخ وفضلاء من الزلفي تلقى تعليمه على يديهم، وذكرهم بالخير، وأثنى عليهم، كالشيخ صالح الأطرم -رحمه الله- والشيخ عبدالرحمن الدريويش والأخ الكريم سعود الطيار ومعالي الشيخ عبدالعزيز الفالح نائبه لشئون المسجد النبوي الشريف، وغيرهم ممن لا يحضرني ذكرهم، ومما لفت انتباهي، احترامه وتقديره الكبيريْن لمعالي نائبه الشيخ الدكتور محمد الخزيم، بقوله عنه (شيخنا وحبيبنا) مثل هذه اللغة بين علميْن كبيريْن، أجبرتني على القول بأنهما (بقيّة السلف - الله المستعان) وكأنهما بهذا الخلق الرفيع يريدان إحياء حياة سلفنا الصالح، لنستشعرهم في حياتنا اليومية، في أخلاقياتنا، وفي سلوكياتنا، وفي تعاملاتنا مع بعض، وفي ولائنا لولاة أمرنا، ولحبنا لوطننا، لا يفتأ هذان العلمان من الدعاء لولاة الأمر والدعاء بحفظ هذا الوطن من الشرور والفتن، لسانهما رطب بذلك، ناهيك عن ما يتمتعان به من حسن المعشر ولطافة الكلمة بمحركاتها من الدعابة والنكتة اللطيفة، المتوشحة بالابتسامة التي لا تفارق محيّاهما، معالي الشيخ محمد الخزيم قبل أشهر، أصرّ عليّ بتناول وجبة العشاء معه، فاعتذرت له، لظروف عملي، فقال جملة، باتت محفورة في ذاكرتي، كلما ذكرتها خنقتني العبرة، قال (تكفى تراي متحسفٍ بك) أثرْنا هذه الجملة اللطيفة، في لقائي بمعاليه هذه الأيام، بحضرة معالي الشيخ السديس الذي اغرورقت عيناه من الضحك، فردّ عليه معالي الشيخ الخزيم بالقول، هذه من الكلمات (المهجورة) ألم أقل لكم بأني مكثت برهة من الوقت مع هاتين الشخصيتين، ولكأني في الزمن الجميل؟! معالي الشيخ السديس، تكرّم وأهداني مجموعةنالكتيبات والنشرات الثمينة، ونسخة من رسالة الحرمين الشريفين الثرية الجميلة، بعد ما عدت لشقتي في جدة، تصفّحت هذه الكتب والمجلات والمنشورات، فألفيتها تحوي نشاطاً غير طبيعي لرئاسة الحرمين الشريفين، جاءت نتاج حيوية وجهود الشيخ السديس، ونائبيه، الشيخ الخزيم، والشيخ الفالح، وجميع العاملين معهم، وفقهم الله، وسدّدهم، إذاً نحن - والحالة تلك - مع علماء أفاضل، هم (بقيّة السلف) ولا أزكيهم، حري بتقمص أخلاقهم الجميلة، وجعلهم قدوة تحتذى، في الولاء والانتماء، وقوة الإيمان، المستمدة من وسطية الدين، بورك للبكيرية، التي أهدتنا، علَمين، عالِميْن، جليلين (السديس والخزيّم) بارك الله فيهما، وفي عقبهما...ودمتم بخير.