* للبشر وجه آخر، أكثر رقيا مما نعتقده، أو تصوره وسائل التواصل الاجتماعي، كثيرا ما يمنحنك المتصلون بك أصدق حديث، ويهدونك إلى أفضل سبل التواصل، يرسمون لك الحياة على حقيقتها وبمثاليتها التي يجب أن تكون، لذا من حق القارئ أن نطوف به معنا في عالمهم المثالي، لنستبين مدى رغبتهم في نقل حياة الإنسان من هموم وشجون ومشكلات لا تنتهي إلى عالم آخر أكثر تفاؤلا وتفاعلا، فكم من عبارة ناضجة فتحت نوافذ أخرى للفرد، وكانت السبب في تقييم نظرته للحياة والسلوك بصفة عامة.
* على خلاف ما يتدوال بيننا، ليس (الصمت حكمة) في كثير من المواقف، فالحوار مهما قسا علينا في بعض فلتاته أفضل من الصمت، إذ هو وسيلة الإقناع ولغة التفاهم بين البشر حينما تتجاذبهم تيارات متباينة كل التباين، والحوار البناء يقف على مسافة واحدة من المختلفين، وقلة الحديث لا تعني العزلة، أو الانطواء وعدم الإحساس، لكن من المؤكد أن هناك من الأشخاص كلما تعب إحساسهم، أو استرهف تلاشت كلماتهم أمام الآخرين. والمشاعر في البشر لا تموت أبداً، لكنها تغفو في مواقف أحيانا، حينما تفقد الاهتمام والحب والاحتواء، فيبقى فكرهم، والحالة هذه مغتربا، حبيس اللسان والجنان.
* ليس من الصواب في الرأي، والرجاحة في العقل أن نجعل من كلمات الناس تجاهنا ميزاناً نزن به ذواتنا، ومقياساً وحيداً نقيس به مدى سلامة تصرفاتنا. وإذا كانت هذه النظرة تجاه سلوكنا مع البشر وما نبتغيه، فالآخرين من باب أولى ألا نقيّم سلوكهم وذواتهم من خلال ما يقال عنهم، دون أن نحادثهم، أو نسمع منهم بشكل مباشر، وفي أكثر من مناسبة وموضوع، أو قضية، فالرأي لا يبنى على موقف واحد، بل على جملة من الانطباعات والتصورات.
*كن على يقين ومعرفة تامة أن ذاكرة الإنسان لا تحتفظ بوجوه الآخرين، وتحيلها للعقل الباطني قدر احتفاظها بالمواقف الإنسانية أو الاجتماعية المشرفة لبعض البشر، والإنسان يمتد ذكره، ويكتب له الخلود في التاريخ بمواقفه النبيلة، إذن ما قيمة الإنسان إن كان الشكل، أو الشكليات مدار اهتماهه بالحياة؟ وتبقى عظمة الإنسان مختزلة ليس في تحكمه بالآخرين بصورة قسرية، بل في التحكم بقدراته وعواطفه حينما يمتلك أسباب القوة، ويبقى رأيه هو النافذ.
* تعلم من الحياة أن من دواعي احترام الآخرين لك ألا تسخر من أي شيء حتى لو اتفق الناس على ضعته، فلكل شيء مهما كان في منظور الآخرين قيمته الكبيرة عند إنسان ما. إذن لنصغ لكل شيء، وليس من الضرورة أن تقتنع به، أو تتبناه في حياتك.
* مهما توافر لك من جاه، أو منصب، أو ثراء فأعجز الناس من لا يستطيع استقطاب أصدقاء له في الحياة، وأشد من ذلك عجزا من فرط بأصدقاء الطفولة ومرحلة الشباب، فالصداقة الحقيقية تبنى في مراحل البراءة والتجرد، البعيدة كل البعد عن مراحل الصراع بين البشر على النفوذ في أي أمر من أمور الحياة.
* في عوالمنا، كم هي تلك الأجساد ترتدي من الحرير أثمنه وأنفسه، لكنها تعيش حقيرة مزدراة بين البشر، في المقابل كم هم أولئك الفقراء يرقدون بين الجدران الصامتة بدون أسرة لكنهم أمراء، والناس في الحياة يعتقدونهم كذلك ؟
* كل رسالة من تلك الرسائل المقتضبة تستحق مقالا مكتملا في تفاصيله، نجلوه في كل تناقضاته، لكننا آثرنا أن نسوقها جميعا باعتبارها تحمل مضمونا اجتماعيا واحدا يعبر عن علاقة الإنسان بالإنسان في حياته حتى وإن كانت على تلك الدرجة من التناقض والاختلاف في الأمزجة، وفي التفكير، والقبول للآراء.
(من نافذة الأدب)
من يتق الله يحمد في عواقبه
ويكفه شر من عزوا ومن هانوا
من استعان بغير الله في طلب
فإن ناصرهُ عجزٌ وخذلان