ليس جديداً ما يحدث من تزوير في الصكوك والوكالات، التي تظهر هنا وهناك، فمن جدة، إلى الخبر، يتم العبث بمنح سامية كانت لأشخاص، قبل أن يتم تزوير وكالات بيع، ويتم التصرف بها، فتكرار ما يحدث هو نتيجة عدم معاقبة هؤلاء الذين ارتكبوا عدة مخالفات نظامية، ومرور ذلك مرور الكرام، بإيجاد أعذار واهية وغير منطقية!
كيف تحدث هذه اللعبة المشينة؟ وما ضررها على المواطنين؟ ولعل ما يثير ويلفت الانتباه أنّ البعض يردّدون أنّ هذا العبث معروف، لكنه مسكوت عنه، إذ تبدأ الحكاية بإصدار الصك دون علم صاحبه، الذي صدرت له منحة سامية، ثم يتم إصدار وكالة مزوّرة باسمه، والتصرف بالشك ببيع الأرض، والغريب أنّ الشهود على صدور الصك هم من موظفي كتابة العدل، ولأنّ أحد الممنوحين قبل سبع سنوات قام بمراجعة كتابة عدل في الخبر، تكشفت الأوراق عن تزوير نحو 35 صكاً، والتصرف بها بيعاً، وأخذ مال الآخرين بالباطل، والإضرار بهم وبغيرهم ممن اشترى الأرض، والتي يظهر للمشتري أنها أرض سليمة، والصك صحيح تماماً، وقد يتورّط المشتري الأخير خلال هذه السنوات، ببناء منزل العمر على هذه الأرض المباعة تزويراً، وقد يورّط معه أحد البنوك التجارية بقرض عقاري كبير من أجل بناء هذا المنزل، ثم يظهر في النهاية أنّ هذا الصك تم إصداره دون علم صاحبه الحقيقي، صاحب المنحة السامية، وتم إصدار وكالة مزوّرة باسمه، وبيع ملكه دون علمه!
أعتقد أنّ على الوزراء الذين يعملون في هذا العصر، عصر الشفافية والنزاهة، مسؤولية كبيرة، ومن بينهم وزير العدل، الذي قدم الكثير من التطوير وتسهيل الإجراءات، بما يمتلك من وعي وثقافة حقوقية، ولكن مثل هذه الإجراءات المشبوهة، حتى لو حدثت في مرحلة ما قبل وزارته، فإنّ ذلك لا يعفي من الوقوف عليها وكشفها، وإيقاع أقصى العقوبات بحق هؤلاء المزورين، صحيح أنه مطالب، وبشكل أكبر، بإيقاف أي عبث مثل هذا، أو أية فوضى مريعة كتلك، ولكن حتى تلك التي حدثت سابقاًً، لا يعفي وزارته، بالتعاون مع هيئة مكافحة الفساد، من كشفها، والتأكد من سلامة الإجراءات القديمة، سواء لإصدار صكوك المنح، أو غيرها.
فلا يكفي فصل كاتب ضبط أو غيره، ولن يفيد كف يد هؤلاء عن العمل، لأنّ ذلك سيكون مشجعاً لغيرهم، ما لم تطبق بحقهم عقوبات رادعة، فالفصل لمن قام بالتزوير لا يعني أكثر من مكافأته على ما امتلك من مال غير مشروع، وتشجيع غيره ممن تسوّل له نفسه بمثل ذلك، فمثل هذه القضايا يجب التنويه عنها في الصحف، ومتابعة خطوات التحقيق فيها، حتى يصدر الحكم فيها، لأنه ما لم يتم القضاء، أو محاصرة الفساد المالي والإداري، في بلادنا، فإنّ تقدمنا ونموّنا الاقتصادي سيتأخر، ولن يكون بموازاة طموحنا وأحلامنا.