يعتبر الشعور بالوحدة أحد أكثر أمراض العصر الحديث انتشاراً، وحاجة الإنسان إلى صوت الآخرين وإنصاتهم هي من أكثر الحاجات إلحاحاً، فالأم الوحيدة تتذمر من عزلتها، والجدَّة تشتكي هجرة أولادها لها، والزوجة تشعر بالحرمان العاطفي والاهتمام، والأبناء يعانون جفاف تعامل الوالدين معهم!
منذ سنوات قليلة، وحينما استطاع الإنسان، وبفضل تقنية الاتصالات الحديثة، أن يوجد لنفسه فرصة التعويض مع أصدقاء افتراضيين، عبر فضاء افتراضي، خاصة مع مواقع التواصل الاجتماعي التي استطاعت أن تربط بين أناس مجهولين، لا يعرفون بعضهم بعضا إلا من خلال تويتر أو الفيس بوك، وغيرها من الوسائل المختلفة، أسهم ذلك في تخفيف الوحدة والعزلة!
ولعل حكاية المريض الأفغاني الذي يرقد في مستشفى الملك خالد، إثر حادثة سير، سببت له شللا رباعيا، هي أبرز مثال عن الحاجة إلى الاهتمام والرعاية، خاصة حينما فقد إبراهيم، وهذا اسمه، زيارات والده وإخوته له في المستشفى، وأصبح يزداد إحباطه كلما رأى كثرة زوار المريض الذي يرقد بجواره، بينما لا يزوره أحد، فكتب تغريدة في حسابه بتويتر، يشكو حاله من قلة الاهتمام، ويطلب من متابعيه زيارته، فكانت المفاجأة ازدحام الغرفة والممرات بالزوار الذين يحملون له باقات الورود، من أناس لا يعرفونه، لكنهم تعاطفوا مع تغريدته، ومع ظروفه وحالته الحزينة، إلى درجة تدخل الأمن في اليوم التالي لمنع كثافة الزوار!
كذلك لاعب المنتخب من ذوي الاحتياجات الخاصة، عبدالله الضعيان، الذي طلب الظهور في برنامج كورة، مع تركي العجمة، تحدث خلاله عن لعبة الصولجان، وحين سأله المذيع عم يتمنى، قال له: إنه يود لو ازداد عدد المتابعين من خمسين شخصا، إلى مائة، فتابعه الآلاف حتى وصل متابعوه أكثر من ثلاثين ألف متابع، وهو في ذلك يؤكد، ما ذكرته في مطلع مقالي، شغف الإنسان بأن يجد الآلاف من المنصتين، وكأنما يشعر بالأمان، وهم حوله، وذلك ما أثبته إبراهيم الأفغاني، حينما كان في وضع إنساني صعب، وأعلن ذلك، وحاجته لزيارته على السرير الأبيض، فتقاطر المتابعون نحو غرفته في المستشفى!
صحيح أن الناس ينشغلون عن بعضهم، وهم في مكان واحد، لانهماك كل واحد بجهازه المحمول، لكنه في المقابل هو متواصل ومنسجم مع الآلاف في مكان افتراضي يصعب تحديده!
ما يحسب لمواقع التواصل الاجتماعي، هو قدرتها الرائعة على دعم العمل الخيري بين الناس، حتى أصبح موقع تويتر يستطيع إيصال رسالة ما، إلى أي شخص، بل إلى الملايين، وبضغطة زرسريعة، فهو صالة ضخمة جداً، بحجم الكون، تجمع الناس جميعا، وتساعد المحتاجين والمظلومين، وتجمع الأصوات حولهم، وتدفع بقضاياهم المستعصية إلى السطح، حتى تجد الحل السريع، والدعم من القادرين على المساعدة!
فكما أن هناك المرشد الطلابي، والمرشد النفسي، والمرشد العائلي، يستحق تويتر لقب المرشد الإنساني، بعد أن أسهم في دور إنساني نبيل في كثير من القضايا المؤثرة!