تعليم العربية لغير الناطقين بها

موضوع معاهد اللغة العربية لغير الناطقين بها طرحناه قبل سنوات عدة، وأعاد تذكيرنا به أحد القراء المتابعين، وما زلنا نعتقد أن الأمر بحاجة إلى مزيد من النقاش والتطوير والتحديث على المستويات كافة.

من درس اللغة الإنجليزية في الخارج يتذكر متعتها، حيث مدارس اللغة تتجاوز مهامها مجرد تلقين قواعد اللغة والحفظ إلى إدماج الطالب بمجتمعه المحيط وتهيئته ثقافياً واجتماعياً للعيش في مجتمعه الجديد، وإلى نقل تاريخ وثقافة البلد إلى الطالب الأجنبي الجديد. نحن في المملكة لدينا معاهد لغة عربية لغير الناطقين بها، فكيف هي أحوال تلك المعاهد؟ هل تهيئ الطالب الأجنبي خريج معهد اللغة ليصبح سفيراً يمثلنا في بلده مثل ما يفعل كثير من السعوديين العائدين من الدراسة بالخارج، أم أنها تسهم في تحويله إلى سفير يحمل المواجع وينقل الصور السلبية عنا؟

يوجد لدينا عدد جيد من معاهد اللغة العربية، بالذات في الجامعات الكبرى، تصل مدة الدراسة في أغلبها إلى عامين كحد أدنى، ولا زالت الشكوى التي أجدها من بعض المتعلمين الأجانب بها هو شعورهم بأن تلك المعاهد تدرسهم بطريقة معجمية أو على طريقة اللغة العربية الفصحى في بلد لا يتحدث الفصحى، كما تصر على طرق تقليدية غير مجدية في تعلم اللغة كالإصرار على حفظ المعلقات التي لا يدرك الطالب الأجنبي معناها أو جدواها. أتحدث هنا عن الطلاب الباحثين عن تعلم اللغة، كلغة فقط وليس التعمق في الدراسات الشرعية أو اللغوية، فهذه مرحلة أخرى تتبع اللغة. هذه أولى الإشكاليات التعليمية والثقافية التي يعانيها طالب المعهد حين لا يستوعب ما يتعلمه أو يحفظه ويستهجن رجل الشارع طريقة حديثه بالفصحى. لماذا لا تنشط حركة تأليف وتطوير وتبسيط المناهج المتخصصة في تعليم العربية لغير الناطقين بها؟

المعاناة الثانية تكمن في الجانب الثقافي المجتمعي، حيث معاناة بعض الطلاب الأجانب تكمن في ضعف احتكاكهم بالمجتمع. هنا أسأل ماذا فعلت معاهد اللغة من جهد للتغلب على هذه المأساة التي تعزل الطلاب الأجانب عن المجتمع السعودي؟ كيف يتحول الطالب المعزول عن المجتمع إلى سفير فوق العادة لبلادنا حين يعود إلى وطنه؟ هل هناك مجال لإيجاد أسر أو أفراد يسمحون بسكن المغتربين معهم؟

القبول في تلك المعاهد ما زال مقيداً ومرتبطاً بشكل كبير بالمنح الدراسية. وهنا أسأل لماذا لا تفتح المعاهد أبوابها لمن شاء التقدم والدراسة بها وتسهيل مهام الحصول على التأشيرة اللازمة؟ لماذا الشروط التعقيدية رغم أننا نتحدث عن تدريس لغة فقط؟ هناك من لديه الرغبة في دراسة اللغة العربية بالمملكة، لكنه لا يعرف كيف يحصل على المنحة الدراسية من بلده، وهنا يجب تبسيط إجراءات القبول وعدم ربطها كليةً بالمنح الرسمية.

لا زالت برامج اللغة للمقيمين الراغبين في دراستها محدودة. لماذا لا توجد دورات متنوعة لغير الراغبين في دراسة كامل برنامج معهد اللغة العربية، بما في ذلك استقطاب الطلاب الزائرين من مختلف دول العالم للدراسة القصيرة والمؤقتة والمسائية بتلك المعاهد؟

التعليم العالي الأهلي والتدريب الأهلي لماذا لا يتم تحفيزه للدخول في هذا المجال عله يملك مرونة أفضل من القطاع الحكومي في مجال التطوير والتحديث وبث روح التنافس في هذا الشأن؟

أخيراً هل توجد رابطة أو هيئة أو جمعية تلتقي تحت مظلتها مؤسسات تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها؟ وجود رابطة فعالة، وليست مجرد رابطة شكلية، قد يسهم في تبادل الأفكار وعقد الحلقات العلمية المساهمة في تطوير تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها...