لم يكن يدر في خلد إحدى معارفي التي أضاعت مفتاح خزانتها الشخصية على محمل الصدفة، أنها ستسطر حكاية معاناة وتسجل مواقف من «المرمطة» الحكومية البحتة التي لم تكن في الحسبان، حيث بدأت مشوار بحثها عن طريقة تفتح من خلالها خزانتها المقفلة، عبر مكالمة هاتفية لمركز الشرطة، الذي أعلن أحد منسوبيه أن هذا الموضوع خارج دائرة اختصاصاتهم ناصحاً إياها بالاتصال بالدفاع المدني الذي نفى بدوره أي صلاحية تمكنه من البتّ في حل الموضوع، ومؤكداً أن خلاصها سيكون بيد الشرطة نفسها، ما دفعها لمعاودة الاتصال بهم، وحين لم تجد منهم رداً كافياً أو حلاً وافياً آثرت أن تتوجه إليهم شخصياً علماً بأنها لم تزر مركز شرطة في حياتها، مرددة شعار «مجّبر أخاك لا بطلُ» .. دخلت المركز وهي تقدم رِجلاً وتؤخر أخرى؛ أملاً في أن تقابل شخصاً يرشدها إلى الحل، فتعاطف معها أحد الموظفين وأكد لها أن استعادة خزانتها سيكون عبر مديرية «البحث الجنائي» التي تقع في مخرج 5 بالرياض، دون أن يدلها بدقة على الموقع، وبعد بحث وجهد جهيد، وصلت، وكان بانتظارها صدمة أمرّ، حين أكدوا لها أن المسؤولية بيد الشرطة فقط وطلبوا منها العودة إليهم على الرغم من ثقل الموضوع على نفسها كامرأة سعودية في مجتمع قاسي الحكم وشديد التحفظ.
وحينما ضاقت بها السبل عادت إلى الشرطة وعبرت غضباً مطالبة إياهم بإيجاد حل عاجل وسريع، فطلبوا منها إحضار ولي أمرها حتى يصدروا لها تصريح فتح الخزانة، علماً بأنها ليست قاصرة، بل امرأة قديرة تجاوزت العقد الخامس من العمر، والخزانة وكل ما تحويه من أوراق ومجوهرات هي من ممتلكاتها الشخصية .. وبعد أخذ ورد، أحضرت ابن أخيها لعدم تواجد زوجها في البلد، وتم رفضه حتى وصلت أخيراً إلى أخيها الذي تعاطف مع قضيتها وعاتبها على تأخرها بالاستعانة به، إذ أكد لها أنه سينجز الموضوع مستعيناً بواسطة تنهي هذه المهزلة التي كان التخبط والتهرب عنوانها.
ستفتح الخزانة عاجلاً أم آجلاً، ولكن مفاتيحها الضائعة كشفت حالة من التخبط والتشتت في أركان وأقسام الشرطة، التي تنصلت من المسؤولية ورمتها إلى جهات أخرى، في ظل غياب نظام اتصال داخلي يؤهل كل إدارة للاطلاع على مهام ومسؤوليات الإدارات الأخرى، وإحالة كل قضية إلى الجهة المسؤولة بكل بساطة ويسر.
الأدهى من ذلك والأمرّ، هو عدم الاعتراف بكيان المرأة وشخصيتها الاعتبارية، الموثقة بالبطاقة الوطنية أو جواز السفر، وتجاهل اكتمال عقلها ونضجها واستقلاليتها الإنسانية عن الرجل، والاستعاضة عن كل ذلك بشهادة ولي أمر تتوافر فيه شروط الذكورة والبلوغ ولو كان ابنها الذي أنجبته وربته وسهرت على رعايته، أو كانت تلك الخزانة وما بداخلها هي من أملاكها الخاصة كامرأة سوية ذات كيان منفصل ومستقل.
أخيراً.. ما زلت النساء في بلادي تعامل في أقسام الشرطة والدوائر الحكومية «كقاصر» أو مواطنة ناقصة الأهلية، وما برح نظام الأحوال الشخصية يعاني الكثير من الثغرات الإنسانية وتحوم حوله ظلمات في تعامله القاتم مع المرأة، التي ولدت وكبرت و»سلّمت» بهذا الواقع مجبرة أو مستسلمة، ولا يبدو ذلك غريباً في ظل غياب المرأة عن فضاء القانون والتشريع في البلاد لتدافع عن وجودها وتستنفر ضد كل بند همّش قيمتها وغيّب كيانها الذي كفله لها الدين وتجاهله المجتمع.
ويا حريم احرصن على مفاتيح خزاناتكن «ترى ما حولكن أحد» ويمكن «الدريل» أصرف!