تجمع الدول المجاورة لليبيا، بما فيها التي تجاورها عبر البحر الأبيض المتوسط، على أن ليبيا إن تُركت تسير عبر رغبة الجماعات المسلحة فستكون أخطر من الصومال. وإذا كانت الصومال قد ألقت بتأثيراتها السلبية على كينيا التي شهدت العديد من العمليات الإرهابية التي ينفذها شباب الصومال حسبما يشاؤون، إضافة إلى ما شهدته سواحل القرن الإفريقي من عمليات قرصنة أثارت الذعر لدى العديد من الدول التي تعتمد على النقل البحري لنقل بضائعها، فليبيا أخطر؛ فهي تشكل عقدة استراتيجية في شمال إفريقيا؛ فحدودها متماسة مع مصر وتونس والجزائر ومالي، ومنها يُسرّب السلاح للجماعات الإرهابية التي أثارت المشاكل في شمال إفريقيا والصحراء، وهناك إمكانية بتسربه إلى أوروبا، فلا يفصل ليبيا عن جنوب أوروبا، وبخاصة إيطاليا ومالطا وحتى إسبانيا، سوى بضع مئات من الأميال البحرية؛ وهو ما يجعل منها بؤرة تصدير للإرهاب والأسلحة.
كل المخاطر هذه يراقبها الأوروبيون الأفارقة العرب المحيطون بليبيا، ومع هذا لم يتحركوا لمواجهة هذه المخاطر، وما زالوا عاجزين عن معالجة ما يجري على الأراضي الليبية الذي يشير بوضوح إلى انزلاق ليبيا إلى بؤرة تصدير الإرهاب والسلاح. وأخطر هذه التحديات هو ما تقوم به الجماعات المسلحة، التي تشكل خليطاً مثيراً مكوناً من ميليشيا مؤدلجة وجماعات قبلية مسلحة وتنظيمات احترفت القتال. هذا التنوع المسلح يعمل بأسلوب ممنهج على سلب سلطات أي حكومة تُشكَّل؛ وهو ما يؤدي بالتالي إلى إسقاط الحكومات المتعاقبة بعد أن تُجرَّد من قدرتها على ضبط الأمن؛ وهو ما يخلق مزيجاً من الفشل السياسي والأمني؛ ما يزيد الأمر تعقيداً وصعوبة، وهو ما نراه الآن؛ إذ يواجه الليبيون مأزقاً سياسياً في ظل ما يواجه السيد أحمد المعيتق الذي وإن بدأ في محاولة تشكيل حكومة جديدة بعد أن أقسم اليمين الدستورية إلا أنه لا يحظى بشرعية كاملة من قِبل بعض أعضاء المجلس الوطني الذين يشكون في شرعية انتخابه بعدما شابت عملية الانتخاب إجراءات ستشجع - بلا شك - الجماعات المسلحة الماسكة بزمام الأمور على عدم الاعتراف بالحكومة القادمة، خاصة بعد فتوى إدارة الدولة التي أكدت «العوار» في عملية اختياره رئيساً للحكومة.
أحمد المعيتق بوصفه شخصاً مؤهلاً لا غبار عليه، إلا أن المشكلة في ليبيا ليست في الأشخاص؛ فالمشكلة قديمة منذ أكثر من 40 عاماً عندما دمَّر القذافي كل المؤسسات الدستورية والأحزاب والمكونات السياسية؛ لتغرق ليبيا في ثقافة الانتماء القبلي والإثني؛ ولهذا فإن مآل أية دولة لا تمتلك مؤسسات دستورية ولا تنظيمات سياسية ذات جذور صلبة أن تغرق في أتون العصابات المسلحة والميليشيات التي يقودها أشخاص يتحولون إلى أمراء حرب، لا يهمهم سوى كسب الأموال والمواقع على حساب وحدة الدولة، وهو ما نراه الآن في ليبيا.
والذي يزيد الأمر تعقيداً كثرة القبائل وتعدد الإثنيات في هذا البلد؛ إذ أصبحت كل منها ميليشيا أو قوة مسلحة أقوى من قوة الدولة من جيش أو شرطة؛ وهذا ما يفرض على الدول المجاورة لليبيا عربية أو إفريقية أو أوروبية أن تتحرك، وتشكّل تجمعاً لانتشالها من الانحدار الذي تتجه له، دون إسقاط التدخل عسكرياً لإعادة تنظيم الأوضاع، وإنشاء مؤسسات سياسية وعسكرية تؤسس لدولة حديثة تدير الأوضاع بصورة مقبولة مثلما يحصل في كل الدول.