يذكر لي أحد الأصدقاء أن زميلاً لهم في العمل بإحدى إدارات المديرية العامة للشؤون الصحية بمنطقة حائل، سافر إلى الرياض لإنهاء أعمال خاصة به، يقول هذا الرجال كما ينقل الصديق: (وكنت ماراً بعد أن أنهيت أعمالي بجوار مقر الوزارة التي احترم وزيرها وأقدره، لا لمعرفة سابقة وإنما لما قدمه ويبذله من أجل إنسان الوطن، فقلت في نفسي لماذا لا أدخل على الوزير وأشكره وجهاً لوجه، وبالفعل جمعت قواي وجددت همتي وحفزت رغبتي واتجهت إلى البوابة الرئيسة للوزارة.. استأذنت بالدخول سائلاً عن مكتب معالي الوزير.. بعد أن ركنت سيارتي صعدت لمكتب معاليه وتوجهت حسب الوصف حتى وصلت إلى مدير مكتبه الخاص، سألني هذا الموظف بأدب عن اسمي وماذا أريد من معالي الوزير؟ أجبته عن كل ما سأل عنه، ولما قلت له فقط جئت من حائل للسلام والشكر وأنا موظف في وزارة الصحة ولست تابعاً لوزارتكم ولا أريد من الدخول عليكم وأخذ شيء من وقت معاليه سوى الشكر.. تعجب هذا الشاب ذو الشخصية الأنيقة وأخذ ينظر إلي ويطيل النظر باستغراب شديد، اعتذر مني عن تحقيق مقابلة المعالي في هذا الوقت، فهو حسب ما قال لي حينها أنه خارج الوزارة في اجتماع، وسوف يخبره حين يعود عن زيارتي له، وقبل أن أخرج من مكتبه طلب مني كتابة جوالي الشخصي، أعطيته ما طلب، وخرجت من بوابة الوزارة وأنا أتحسر على الوقت الذي أضعته، وتأكد لدي ما كنت أسمع من أن أصحاب المعالي لا يكترثون بنا نحن عامة الناس، وأصدقك القول اهتزت شخصيته لحظتها في عيني، وكان المجزوم به عندي أنني لن أظفر بما وعد به مدير المكتب الخاص فهو قالها تطييباً لخاطري وتقديراً منه لمشاعري ورداً للجميل الذي قمت به من وجهة نظره الشخصية، وإلا من أنا ومن أكون حتى يتصل بي صاحب معالي.. عدت إلى حائل، وفي صبيحة الغد وأنا جالس أتقلب أوراقاً بيدي وإذا برقم لم أعهده من قبل يتصل بي!!، أجبته ..نعم، قال لي: أنا.... إنه معالي الوزير، الصوت نفسه الذي أسمعه عبر وسائل الإعلام المختلفة، اعتذر لي بشدة عن زيارتي له في الوقت الذي لم يكن موجوداً في مكتبه، وبعد حديث أخوي رائع لم أكن أتصوره ولا بالأحلام قال لي: سم ما الذي دعاك للزيارة؟ فكان الكلام نفسه الذي بحت به لمدير مكتبه من قبل.. لقد قدمتَ صاحب المعالي لمنطقتي أعمالاً جليلة ووفيتَ بقسمك أمام خادم الحرمين الشريفين وكنت عادلاً في صنيعك ولم تحاب منطقة على أخرى، ولم يتعثر من مشاريع وزارتك شيء، وذا كان واجباً عليَّ أن آتي إليك من حائل لأشكرك، مع علمي أن زيارة مثلي لمثلك لن تضيف لك شيئاً، وربما لا تعني لمن هم في مزلتك أي دلالة .. تعجب أشد من سابقه، وقال لي بالحرف الواحد «أنت أول رجل يدخل مكتبي ليشكر»، وحملني أمانة التواصل معه على رقمه الشخصي الذي اتصل به عليَّ، وطلب مني أن أكون عوناً له في أداء أمانته مع أنني في قطاع آخر لا يمت لما هو فيه بصلة، ومع أنني لست متخصصاً ولا صاحب خبرة ودراية..).
هذا المشهد بكل تفاصيله يعكس حقيقة شخصية كثير من المسؤولين والمتنفذين وأصحاب القرار، وليس صحيحاً ما يعشعش في أذهاننا من معيشة هؤلاء الرموز في برج عاجي ولا علاقة لهم بالهم اليومي الذي يعاني منه المواطن البسيط ولا يكترثون كثيراً بكلمة الشكر حين تصدر بكل مصداقية وتجرد من مواطن صادق ومخلص لا تربطهم به أي مصالح مادية آنية.
كما أن هذه الحكاية تعطينا دلالة على أن كلمة الشكر مهمة جداً وينتظرها الكل مهما علت المنزلة وكبر المنصب، وليس من الضروري أن تكون عبر وسائل الإعلام المختلفة وبصفحة كاملة ملونة أو بقصيدة مطرزة وعبارات مدبجة بكل كلمات الثناء والتبجيل، بل على العكس حين تكون المشاعر طبيعية والعبارات تلقائية واللقاء حميمياً يكون الأثر أبلغ.
شكراً من القلب لكل مسؤول متواضع لله لم تغيره المناصب ولم تبدل معالم شخصيته الكراسي، مخلص في أداء ما وكل به، يستشعر هم الوطن ويلمس حاجة المواطن ويفي بها ويلبيها ما استطاع، فكان منه الجهد والمجاهدة حتى نال شرف الدعاء له في ظهر الغيب من قبل المحتاجين والمعوزين والعامة والبسطاء، لا الدعاء عليه -لا سمح الله. دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.