Tuesday 22/04/2014 Issue 15181 الثلاثاء 22 جمادى الآخرة 1435 العدد
22-04-2014

المجتمع يكتشف حقيقة الدكاترة

قال لي وهو يعتذر عن صراحته فيما سيقول: (.. يا دكتور بصدق بعض الدكاترة ليس لديه شيء، ويحرجك في بعض المواقف..)، قلت له: (أو تظن أن كل من حمل حرف الدال صار قادراً على أن يعد مشروعاً، أو يكتب تصوراً، أو يتحدث عن قضية اجتماعية، أو يفتي أو.. إن الحصول على درجة علمية في تخصص ما يعني أن هذا الباحث فرغ نفسه لدراسة جزئية محددة في هذا الفن من العلوم، وقد يكون أشد الناس جهلاً في الفنون الأخرى من العلوم، ولذلك فإننا نظلم أصحاب التخصصات حين نعتقد أن الدكتور أياً كان يجيد الإبحار في كل العلوم، ونطلب منهم التحدث في غير فنه الذي ينتمي له، كما أن من الإجحاف في حقه أن نجرده من صفة التميز العلمي فقط لأنه لا يملك القدرة على التحدث بطلاقة، أو عندما لا نجد عنده الإجابة عن التساؤلات التي نطرحه عليه حتى ولو كانت قريبة من تخصصه..). وهذا ليس دفاعاً عن أصحاب الشهادات ولا يعفيهم من المسئولية الذاتية في السعي الجاد نحو تطوير معارفهم، والبحث والقراءة فيما جد من إنتاج علمي سواء في تخصصاتهم التي اختاروا الغوص فيها أو حتى في دائرة المعلومات العامة التي لا يسع المثقف والعالم الجهل بها، كما أن عليهم المشاركة في المؤتمرات والندوات الداخلية والخارجية ذات العلاقة الوطيدة في مجال دراساتهم التخصصية.

نعم هناك من يحمل هذه الدرجة وربما وصل إلى درجة الأستاذية ولكن أبحاثه ودراساته مبتورة الصلة بالواقع الحياتي الذي يعيش، كما أن علاقته بمجتمعه الصغير القريب منه لا تختلف كثيراً عن العامي الذي لا يستطيع أن يفك الحرف إلا بالكاد، أكثر من هذا وذاك هناك من حصل على درجة علمية متميزة وربما انتظم في سلك أعضاء هيئة التدريس في إحدى جامعاتنا السعودية وما زال مصفداً بالعادات والتقاليد المرفوضة من شريحة عريضة من عوام الناس البسطاء المدركين لخطورتها وكذا أنصاف المثقفين فضلاً عن هؤلاء الذين يفترض فيهم أن يقودوا مشاريع التغيير القيمي، وينبروا ويشمروا سواعد الجد لتشييد البناء السلوكي في مجتمعنا السعودي على أساس حضاري متين وقواعد إسلامية صحيحة بعيداً عن التعنصر والتعصب المقيت.

إن حرف الدال -في نظر غالبية أفراد المجتمع - له تبعات، ويترتب على وجوده قبل حرفك الأول مسئوليات تتعدى الجانب المعرفي لتستقر في خانة السلوك الحياتي الذي يلتقطه الصغير قبل الكبير، ويتحدث عنه الكل مهما كان الفعل في نظرك بسيطاً، لا لشيء إلا لأنك بمحض إرادتك اخترت التميز، ونصبت نفسك أنموذجاً للجيل، فكن على مستوى المسئولية وتحمل أمانة العلم وتخلق بأخلاق أهله.

إن من شروط الحصول على الترقية العلمية إضافة إلى البحث العلمي المتخصص، والنصاب التدريسي المعين، القيام بخدمة المجتمع والمشاركة الحقيقة في تنميته والسعي الجاد في توعيته وتثقيفه وخدمته سواء من خلال برامج الجامعة الموجهة للمجتمع، أو عن طريق الانخراط في منظومة الأعمال التطوعية التي تحتضنها وترعاها الجمعيات الخيرية المختلفة أو بالمشاركة الفعلية في حملات التوعية المتنوعة التي تقيمها جهات متعددة.. ومع كل الشكر والتقدير لمن قاموا بشيء من الواجب في هذا الباب إلا أن هناك شريحة عريضة من حملة الدرجات العلمية ما زالوا بعيدين كل البعد عن هذا المجال المفصلي والمهم في تنمية مجتمعاتنا المحلية، بل يرمقونه بطرف خفي جزماً منهم أنهم أعلى درجة من ممارسة هذا النوع من النشاط الإنساني الموجه غالباً لخدمة وتسهيل حياة الطبقات الأقل حظاً في الحياة الكريمة والسعيدة سواء أكانوا فقراء أو معوزين أو معاقين وأيتام ومسجونين.

إنني أهيب بأعضاء هيئة التدريس أن يكونوا أكثر فاعلية مجتمعية وأن يكون لأفرادهم فضلاً عن مجموعهم بصمات خيّرة ولمسات إنسانية مميزة في دنيا الناس فـ «خير الناس أنفعهم للناس»، كما أنني أتمنى على مجتمعنا المحلي منح هذه الفئة حملة الشهادات العلمية العليا حقها من التقدير، وتشجيعها وتحفيز همتها وتسهيل فرصة مشاركتها مشاركة إيجابية في القطاع التنموي الثالث «القطاع الأهلي» الحاضن الفعلي لمؤسسات المجتمع المدني الذي ما زال ضعيفاً في المملكة، وعاجزاً عن المشاركة الحقيقة في التنمية المستدامة الشاملة والمتكاملة، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.

مقالات أخرى للكاتب