«ويؤكد المجلس - مجلس الوزراء - على وسائل الإعلام كافة الالتزام بما صدر من تعليمات بعدم نشر أي أخبار تخص هذا الفيروس أو أي مرض وبائي إلا من خلال الجهة الرسمية المعتمدة بوزارة الصحة.»
ترددت كثيراً في الكتابة حول القرار أعلاه، لأنني لست مستعداً لمخالفة نظام أو تعليمات رسمية من أعلى سلطة تنفيذية / أعلى سلطة حكومية، و أتجنب إحراج المؤسسة الإعلامية التي أكتب فيها. لكن ذلك لا يمنع أن نتطرق للقرار الوارد نصه أعلاه، وليس لكورونا.
لم افهم ماذا يعني أن نمنع من الكتابة عن قضايا صحية حيوية مثل قضايا الأمراض سوى من خلال ما يصدر عن وزارة الصحة؟ هل سيكون هذا سلوكاً تسلكه بقية الوزارات التي يزعجها النقد الإعلامي؟ هل سعي وزارة الصحة لمنع الاعلام من الحديث عن الأمراض الوبائية بما فيها كورونا سببه قلقها من النقد أم حرصها على المواطن؟
لم نتعود مثل هذا التوجه في حالات أصعب بكثير مثل حمى الوادي المتصدع، وسارس وانفلونزا الخنازير وغيرها من الأمراض والأوبئة، فلم حصل ذلك الآن؟
أكرر: سألتزم بعدم الكتابة عن كورونا ذاتها، ولن اساهم في بث إشاعات حول عدد الحالات أو حول علاقة الإبل بكورونا أو حول أبحاث وزارة الصحة التي تحمل اسماء مسؤوليها. لكنني سأكون واضحاً بالتصريح بأن القضية تبدو وكأنها تتجاوز مرض كورونا. القضية هي فقدان الثقة والمصداقية. لو وجدت الثقة في تصريحات وبيانات وزارة الصحة لما لجأ الناس إلى مصادر أخرى، بعضها دقيق وبعضها غير ذلك.
من هنا يكون السؤال الذي يجب أن نسأله؛ لماذا اهتزت ثقة الناس بوزرة الصحة؟ لماذا تتراجع مصداقية الصحة أمام المواطنين؟ إذا كانت تصريحات وأخبار الصحة عن الوزارة مصدر ثقة للمواطن فإنه لن يلجأ إلى غيرها، لكن الواضح أنها تعترف من خلال هذا القرار بأنها عجزت عن إقناع الناس ولم يعد الناس يثقون فيما تخبر به وبالتالي هم يلجؤون لمصادر غيرها.
الصحة في مأزق الثقة من قبل الناس وليست في مأزق معاداة الإعلام لها، فالإعلام عين ومرآة للمواطنين. بل أكاد أجزم بأن الاعلام خدم وجامل الصحة بشكل يفوق أي قطاع خدمي آخر. التلفزيون يغطي جميع مناسبات الصحة بتفاصيلها ورؤساء تحرير الصحف يحضرون مناسباتها و يستضيفون مسؤولي الصحة ويمنحونهم كامل المساحة للتعبير عن رأيهم، والكتاب يفرحون بأي منجز للصحة، فهل حظي قطاع آخر بمثل هذا؟
سعي وزارة الصحة إلى حصر الحديث عن مرض في وزارة الصحة يقلقنا من ناحية كونه قد يسيء لحرية الاعلام في الحصول على المعلومة بطرقه المختلفة، التي قد لا تتفق مع مصادر وزارة الصحة.
إنني أحترم قرار مجلس الوزراء، وأعرف حرصه على المواطنين، واهتمامه بأن تكون المعلومات التي تصله صحيحة، ولكن على وزارة الصحة أن تتأكد من صحة المعلومات التي تريد إيصالها إلى المواطنين عبر وسائل الاعلام المختلفة، فقرار مجلس الوزراء يلزمها بذلك وإن لم يشر إليه.