كما يقول الدكتور الغذامي، فقد نجحت الأندية الأدبية في السبعينيات في انتخاب رئيسها ومجلس إدارتها، وازدهر الشأن الثقافي حينها وبرع المثقفون في الاحتفاء بثقافتهم ونتاجهم الأدبي، وقد استمرت التجربة أعواماً، فيا ترى لماذا فشلت هذه الأندية في القرن الواحد والعشرين.. وفي زمن النضج الفكري والتنمية الثقافية والإعلام الثقافي الذي كرّس لمتابعة النشاط الثقافي في البلاد وحركة المثقف داخلها وخارجها؟
لماذا - وحسب تصريح نائب وزير الثقافة والإعلام د. الجاسر - أن هناك نية لوزارة الثقافة تتأرجح بين التعيين والانتخاب في هذه الأندية؟
فهل السبب في فشل الانتخابات التي يعتقد الكثيرون بفشلها هو وزارة الثقافة والإعلام كما صرح د. الغذامي وعدد من المتابعين؟.. أم كما أرجح الصراعات في الوسط الثقافي هي التي حالت دون نجاح هذا العمل؟.. كذلك أن المثقفين في الوطن العربي ما زالوا بعيدين عن العمل الجماعي ويسعون للفردية والعمل النرجسي!
تصريح د. عبد العزيز السبيل قبل سنوات والذي أثار جدلاً حينها حول عدم أهلية المثقفين لإدارة الأندية قد تراءى اليوم واقعاً في ظل ما آلت إليه الحال، الذي بدأ بشكاوى قضائية ثم انتهى بمشادات بالأيدي، وربما أن نظرنا للموضوع من جانب آخر، وهذه وجهة نظر البعض وأنا منهم بأن يُفرَّغ المبدع للإبداع بعيداً عن شؤون الإدارة، حيث سمعة المثقف الأدبية قد تطغى أحياناً على كفاءته المهنية في الإدارة.
عددٌ من المثقفين والمراقبين امتلأت الصحف بمقالاتهم ووسائل التواصل الاجتماعي بردّات فعلهم، سواء بالرفض أو التأييد للقرار الذي نفاه لاحقاً وزير الثقافة والإعلام، وسأورد بعض ما كتب:
د. عبد الرحمن الحبيب في مقاله بعنوان: هل المثقفون السعوديون لا تناسبهم الديمقراطية؟.. «يمكن إجمال ما أفرزته التجارب الانتخابية بمظهرين شكَّلا واقعاً ثقافياً جديداً.. الأول هو ظهور انقسامات حادة وخلافات بين المثقفين، لم تتمكن وكالة الوزارة للشؤون الثقافية من إدارتها كمشارك بالحل، بل إنها صارت مشاركاً بالمشكلة في مواجهة مع بعض المثقفين وصارت طرفًا بالنزاع، ورُفعت شكاوى عليها للمحاكم! ثانيًّا، أظهرت نتائج الانتخابات في بعض الأندية أغلبية غير معنية بالأدب والثقافة، بل بأجندة إيديولوجية وتحزبات فئوية، أو فئة أكاديمية بعيدة عن الإبداع الأدبي والثقافي».
لذلك ربما وفي حلقة مميزة وشفافة أدارها الشاب الشاعر المبدع إعلامياً رغم حداثة عهده بالإعلام مفرح الشقيقي مع د. معجب العدواني، وأ. نبيل زارع تجلى لنا رأي الأخير المؤيد للتعيين، وقد عزا الأسباب لتلك التي ذكرها د. الحبيب في مقاله، بينما كان موقف د. معجب موافقاً للغذامي وللشريحة الكبيرة من المثقفين في تحيزهم للانتخاب، وسأعود للسؤال الذي أرّقني طويلاً، وأكده لي موقف البعض على موقعي بتويتر حين محاولتي لمناقشة القرار كوني حاضرة في المشهد الثقافي والإعلام الثقافي ولست متحيزة لقرار وزارة العمل تحت مظلتها، وقد عاد ونفاه معالي الشاعر الوزير لاحقاً:
لماذا تحدث هذه الأزمة الانتخابية الحادة عند المثقفين دون غيرهم؟
وهم دون غيرهم.. (وأقصد البعض ممن ينادي بالحرية والديمقراطية والتحيز للشأن الثقافي الذي سرعان ما يختنق بصراعات البعض الشخصية ممن يسارعون لنبذ الآخر ومهاجمته واتهامه).
كما حدث معي شخصياً قبل سنوات نأيت وقتها عن الخوض فيما لا أطيق وسط انشغالي لتحقيق رسالة تسمو فوق كل الاعتبارات الأخرى ولإيماني بالانتماء لبلد يفتخر المرء أن ينتسب لأرضه وثقافته وشعبه وقادته!
تستحق الثقافة في المملكة أن يُحتفى بها ولكل هذه الجهود أبرزها دعم خادم الحرمين للأندية الأدبية، وجهود وزير ملؤه الشعر كان منتشياً بعودة الانتخابات للأندية متغنياً بها في مناسبات كثيرة وكله ثقة بمبدع هذا البلد.
تستحق الثقافة أن نتجرد من نرجسيتنا وأمراضنا ونزاعاتنا وشلليتنا وأحقادنا وكل ما قد يقتلها في مهدها، لا بد للمثقف الذي ينادي بالديمقراطية أن يطبقها أولاً، وذلك الذي يتوق لحرية الرأي أن يحترم حرية الآخرين، وأن ينأى بإبداعه ونفسه عن كل ما قد يهز حضوره الثقافي وتقدمه وسمعته ومصداقيته.
المثقف دون غيره لا بد أن تكون له الرغبة في تغيير العالم إلى الأفضل وفي القيادة والإدارة بحيادية ومن حقه أن تكون بعد ذلك الأندية الأدبية عالمه وملعبه.
فمن يرسم لوحة تتشكّل فيها معالم رقيه وملامح إبداعه، ومن يكتب قصيدة لا يملك إلا الغناء والتحليق ومن ينثر الكلمات لا يستطيع إلا التحليق في سماء الكلمة، ومن يعتلي مسرحاً فملؤه الصدق بعيداً عن التصنع والخديعة.
نسأل الله السمو لثقافتنا ومثقفينا وللمشهد الثقافي السعودي الذي يُعتبر واجهة لإنسان هذا البلد.