تنطلق فلسفة التعلم التعاوني من تراثٍ فكريٍ قديم.. فالإنسان بطبيعته وطبعه لا يمكن أن يعيش في عزلة عن الآخرين.. ووسيلته لتحقيق أهدافه هو التعاون اختزالاً للوقت والجهد..وبناءً على ذلك فإن التربية التعليمية التي تسعى إليها أنظمة التربية والتعليم الواعية هي التربية العلمية الابداعية القائمة على تفعيل العقل والتركيز على أسس الحوار والمناقشة الإيجابية الفاعلة البعيدة عن الطريقة التقليدية القديمة التي تعتمد على الحفظ والتلقين والسلطة الانغلاقية.
يعتبر التعلم التعاوني من المفاهيم التي تعددت تعريفاتُها وتنوعت بحسب اهتمامات الدارسين واختلاف الرؤى إلا أنه وباختصار يتمحورحول منهج يُنظم الأنشطة الصفية إلى تجارب أكاديمية واجتماعية غايتها إيصال المعلومة وتنمية المهارات الأساسية للمواد الدراسية عند الطلاب.. واستناداً على ما سبق فإن التعلم التعاوني يعتمد على تشكيل الطلاب في مجموعات للتعلم.. سعياً لتحقيق الهدف الأكاديمي ولكن بطريقة ممتعة جاذبة ومحببة..فبخلاف التعلم الفردي الذي يكون تنافسياً عند الطلاب في التسميع بعد التلقين والحفظ.. فإن التعلم التعاوني يؤدي إلى استفادة الطلاب من مصادرومهارات بعضهم بعضا وتقييم أفكارهم ورصد نتائج ذلك، وهذه ميزة تعكس متعة تفاعل الطلاب وسعادتهم بالمشاركة خاصة طلاب الصفوف المبكرة من المرحلة الابتدائية.. فضلاً عن هذا يتحول دور المعلم من تلقين للمعلومات وحشو للذهن بطريقة رتيبة مملة إلى مرشد وموجه ومشرف على البيئة الصفية التفاعلية للتعليم والتعلم..وعلى ضوء ذلك يتمكن المعلم من تحديد المستوى الدراسي لطلابه بكل سهولة ويسر فيعزز نواحي القوة ويعالج نواحي القصور.تعود جذور التدرج التاريخي للتعلم التعاوني إلى عام 1900م.. لكنه لم يبرزكتطبيق فعلي على طلاب المدارس إلا بعد صياغة نظرية التعاون التنافسي، ثم تطويرفكرة هذه النظرية على يد ديفيد جونسون عام 1970م ليصبح مضمون النظرية الاعتماد المتبادل الاجتماعي ووفقاً لإستراتيجية نظرية جونسون عن التعلم التعاوني، وكما يؤكده العديد من مفكري ورواد التربية والتعليم في الدول المتقدمة فإن العمل التعاوني المرتكز على التعلم التعاوني بالمقارنة مع العمل التنافسي والعمل الفردي يؤدي إلى زيادة التحصيل والإنتاجية في أداء الطلاب، وأن عمل الطلاب في مجموعات صغيرة هو المدخل لإنجاز الأهداف المشتركة للعملية التعليمية داخل البيئة الصفية.. ولا شك أن التعلم الذي يقوم على نشاط المتعلم أبقى أثراً.. ولا شك أن نشاط أذهان المتعلمين يؤدي إلى توليد أفكارٍ جديدة.. وابتكار حلول للمشكلات التي قد تواجه الطلاب خلال التعلم..كما أن وجود نمط فكري مستقل لدى الطالب وبروز وجهة نظره تجاه القضايا التي يدرسها يجعل من عملية التعلم أمراً محبباً يزيده دافعية وإقبالاً على المادة الدراسية خاصة تلك المواد التي تفتقد عنصر التشويق عند دراستها. عصر العولمة الذي نعيشه والتطور العلمي الذي نشهده وانعكاساته على دور امدرسة والطلبة وأولياء الأمور يفرض على هيئة التدريس في مدارس أبنائنا وبناتنا السعي الدائم والمستمر لاكتساب قدرة البحث والتطوير..وربط المعرفة بحياة الطلبة واحتياجات المجتمع..لذلك ومن خلال هذه السطور أدعو وزارة التربية والتعليم مشكورة أن تمنح المعلم شيئاً من المرونة في أداء عمله التعليمي داخل البيئة الصفية دون الخروج عن مظلة الأنظمة والقوانين، فكثير من المعلمين (المعلمات) يملكون الحس الإبداعي والقدرة على ابتكار أساليب وطرق مميزة لتوصيل المعلومة إلى الطالب لكن الحائل يكمن في متابعة المشرف التربوي لتسلسل أداء المعلم وهل هو مطابق تماماً لبنود تقييم الأداء الوظيفي.
إن أهم ما يميز التعلم التعاوني أن المتعلم هو محور العملية التعليمية.. يشارك في تصميم التعلم وبيئته يبحث عن مصادر المعرفة ويصل إليها ويتواصل معها.. إلى جانب خلق جو تعاوني بين الطلاب.. إذن يمكن القول: إن استراتيجية التعلم التعاوني تؤدي إلى خبرات تعلم ثرية فهل نشهد لها حضوراً في مدارسنا؟