يتوقع البعض أن الحوار لا يتم إلا بالحديث بين طرفين أداتهم الشفاه والألسن مع أن للحوار سبلاً كثيرة، منها ومن أبرزها حاسة النظر، حيث يتم حوار عقلي غير مسموع أداته العين مع ما أمامها، حوار تطرح من خلاله الأسئلة والاستفسارات بين العقل وبين ما نشاهده.. بشر كانوا أو جمادا، فقد نرى شخصا من بين الحضور يدفعنا لاستعادة شريط الذاكرة لإخراجه من بين طيات النسيان بالتساؤل الخفي.. من هو.. وأين التقيت به سابقا..، وقد نرى أمكنة لنا فيها ذكريات يدفعنا النظر إليها للحديث مع كل تفاصيلها.
من هنا كانت فكرة إقامة معرض تشكيلي يلامس جانب الحوار الوطني عبر اللوحة وقطعة النحت أو شكل مركب من خامات ووسائط، إبداعات تستلهم من أهداف أكبر مشروع للتوعية بمفهوم الحوار، مشروع مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، الذي يلتقي مع الفن التشكيلي بقواسم كثيرة أبرزها لغة الحوار البصري بين اللوحة او المنحوتة وبين المتلقي حوار ممزوج بالمتعة، مهما اختلفت الآراء وتعددت الأمزجة والقناعات، فالحوار الراق يتم بهدوء وانسجام، يبدأ بالاندهاش.. ثم يتحول إلى حالتين، إما الإعجاب أو الانسحاب، لكنه يبقي شيء من العلاقة الوجدانية التي لا يمكن أن يزيلها زمن أو عوامل تعرية..
عندما عزمت على طرح فكرة التعاون مع مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني نيابة عن منسوبي الجمعية السعودية للفنون التشكيلية، تراءت أمامي اهتمامات الأستاذ فيصل المعمر أمين عام المركز الرجل الذي أظنه يمتلكك موهبة الفن التشكيلي دون إعلانها.. عال في درجة التذوق مقتن دقيق الاختيار، مثقف في مختلف مدارس هذا الفن، فكان لهذه الفكرة المسبقة ما سهل المهمة.
وإن كنت قد ضمنت الموافقة من الأستاذ فيصل فلا أنسى أيضا ما تلقيته من ترحاب كبير من الدكتور فهد السلطان مساعد أمين المركز الذي منح الفكرة آفاق جديدة وكان له اختيار العنوان وتبديل كلمة (الحوار الوطني.. فن، إلى تشكيل)، مانحا بذلك فرصة للفنون الأخرى لإكمال الخطوات بتنظيم معارض أخرى لتكون مثلا (الحوار الوطني فوتوغراف) و(الحوار الوطني.. خط عربي) إلى آخر المنظومة الإبداعية..
لقد كان لخبر التعاون بين الجمعية والمركز وقع كبير عند الفنانين، خصوصا ان الأيام المقبلة ستحمل موعدا للاحتفال بتدشين مقر المركز، المقر الذي يمثل عنوانا حقيقيا للمعنى، ومعلما حضاريا، شكلا ومضمونا، بتكوينات هندسية، شملت تنويعاتها الجمالية واجهة المبنى بتصميم فني أحالها إلى لوحة فنية.
ثنائية ولا أجمل بين الفكر وبين الألوان والخطوط والكتل التي تنطق جمالا وروعة من أيد تشكيلية سعودية.