وزارة الصحة من أهم وأكبر الوزارات نظراً لأنها تمس صحة المواطن ونظراً لكبر حجم ميزانيتها وعدد موظفيها، والأولى أن تكون إدارتها بنفس كفاءة إدارة ارامكو أو سابك وليس كما هو الحال عليه اليوم. تَعدد الوزراء الذين تربعوا على عرش هذه الوزارة ولكن النتيجة واحدة، سوء الخدمة وعدم تلبية حاجة المواطن أو مواكبة التطور الذي يعيشه العالم. وهذا يقودنا إلى أسئلة مهمة ، ما هو الخلل، هل إصلاح هذه الوزارة مستحيل، كيف نصلحها، وهل استبدال وزير كافي لإصلاحها؟ لعل الأجوبة لهذه الأسئلة تقودنا إلى أفضل الطرق إلى إصلاح هذه الوزارة، لذا سنحاول في هذه العجالة أن نجيب عليها.
وضع الوزارة حاليا هو نفسه قبل عشرين أو ثلاثين سنة، رغم زيادة الميزانية وزيادة الإمكانيات إلا أن طريقة إدارة الوزارة لم تتغير من عشرات السنين، ولا يوجد تطوير أو تعديل جذري. يقول اينشتاين، من أسوأ الأمور أن تفعل نفس الشيء بنفس الأسلوب مرتين وتتوقع نتائج مختلفة، وزراء الصحة يديرون الوزارة بنفس الأسلوب كل مرة على مدار ثلاثين سنة ويتوقعون نتيجة مختلفة وهذا مستحيل.
للإجابة على الأسئلة أعلاه، يجب أولاً أن نشخص وضع الوزارة الحالي.. وضع الوزارة لا يرتقي لحجم المملكة ولا لعدد سكانها ولا لميزانية الدولة وإمكانياتها، وهذا يعود لسببين لا ثالث لهما، إما سوء إدارة أو فساد وهما وجهان لعملة واحدة، وقد يكون خليطا بينهما، ولكن سنحسن الظن ونقول بأن ما يحدث هو سوء إدارة وهذا بشهادة الجميع. وإذا كان الحال كذلك فإن هناك حلولا لهذه المشكلة، ولكن الصعوبة تكمن في حجم الوزارة وفي عدد موظفيها وكذلك في حجم التغيير، لذلك هناك طريقتان للحل:
الطريقة الأولى هي تغير كامل في الوزارة وإعادة هيكلتها، وهي أشبه ببناء وزارة جديدة، بل إن بناء وزارة جديدة أسهل من هذا التغيير لأنه يتطلب تغيير ثقافة الموظفين وطريقة عملهم، والإنسان يقاوم التغيير بطبيعته، ونسبة نجاح مثل هذا التغيير في العالم بحسب تقرير شركة مكينزي أند كومبني بعنوان (الحقيقة الغير مريحة عن تغيير الإدارة) أن النسبة الأكبر في محاولات التغيير الكلي للمنظمات مصيره الفشل.
ومن أمثلة التغيير الكلي ما فعله معالي الأستاذ خالد الملحم في شركة الاتصالات عندما تحولت من جهة حكومية إلى شركة مساهمة عامة وكذلك مع الخطوط السعودية، وقد كان نجاحا كبيرا نظراً لحجم المنظمتين وعدد موظفيها، وهذا النجاح يستحق أن يدرّس في جامعاتنا لأنه وكما ذكر التقرير من الحالات القليلة التي تنجح. هذه الطريقة صعبة نوعاً ما ومكلفة واحتمالات الفشل فيها كبيرة، ولكنها خيار.
الطريقة الثانية وهي الأسرع والأسهل، هي إنشاء وزارة موازية أو إدارة موازية كما فعل وزير التجارة ووزير العمل، يتم إنشاء فريق جديد مؤهل مع الاستفادة من بعض القدامى المميزين ليقوموا بالتدخل في كل قسم ومحاولة تعديله وتطويره مع تقديم شيك ذهبي لبعض القدامى، والذين سيحاربون من أجل عدم التغيير، وإحلالهم بأناس جدد، مع الاستعانة بخبرات عالمية كمكاتب الاستشارات العالمية.
وزارة الصحة تحتاج إلى تغيير جذري وهذا يستدعي أن يكون الوزير ذا خبرة إدارية كبيرة لإحداث مثل هذا التغيير، كما أنها تحتاج إلى خبرات أجنبية للمساعدة في هذا التطوير وأعتقد أن معالي وزير العمل الحالي المهندس عادل فقيه، إذا ما تفرغ للوزارة، فهو يملك هذه الخبرة والقدرة، وهناك أيضاً الكثير من الكفاءات السعودية الشابة القادرة على مثل هذا التغيير. نتمنى من الله ثم من الوزير الجديد أن يكون أسلوب إدارة وزارة الصحة هذه المرة بأسلوب مختلف لنحصل على نتائج مختلفة.
خاطرة:
تجربة معالي الدكتور توفيق الربيعة ومعالي المهندس عادل فقيه ومعالي المهندس. خالد الملحم في الإدارة لو كانت في الغرب لتم تدريسها في كليات الإدارة، ولكن للأسف نحن لا نستفيد من التجارب الناجحة أو الفاشلة مع أنها من أهم أسباب التطور.