يُتداول في أروقة وزارة العمل هذه الأيام وضع نظام لتحديد حد أدنى للأجور في القطاع الخاص. وهذا ليس سرًّا بل مُعلناً. وهي مبادرة جميلة، لكن قد لا تصلح لسوق العمل في المملكة، وخصوصاً في الفترة الحالية، نظراً لأن السوق يعتمد اعتماداً كبيراً على عمالة وافدة.
وضع نظام للحد الأدنى من الأجور جميلٌ في شكله مخيفٌ في مضمونه؛ لذا يجب دراسة هذا القرار دراسة وافية. ويبدو أن وزارة العمل متحمسة لتطبيق هذا القرار؛ وسر الحماس أن الوزارة تفترض (نظرياً) أن وضع حد أدنى للأجور سيشجّع العاطلين عن العمل على العمل في القطاع الخاص، وسيرفع من إنتاجيتهم.. هذه نظرة قاصرة؛ قد تتسبب في نتائج عكسية.
وما أشبه اليوم بالبارحة. قبل فترة قررت وزارة العمل رفع تكلفة العامل الأجنبي بناءً على نظرية تقول «إذا رفعنا تكلفة العامل الأجنبي سيضطر القطاع الخاص لتوظيف السعودي». هذه النظرية أغفلت أمراً مهماً جداً، هو الإنتاجية كمعيار للراتب وللتوظيف، واستبدلت هذا المعيار بالجنسية.
النظرية كانت جميلة على الورق، لكن ماذا حدث بعد تطبيق رفع تكلفة العامل الأجنبي؟ بعدها ارتفع التضخم على 20 مليون مواطن، وارتفعت تكاليف مشاريع الدولة، وأربكنا سوق العمل، وارتفع دخل العامل الأجنبي، وكان القرار أحد أسباب ارتفاع تحويلات الأجانب من 125 ملياراً سنوياً إلى 148 ملياراً سنوياً. وفي الأخير لم ينجح القرار.
نعود إلى الحد الأدنى للأجور، المتوقع أن يصل إلى 5000 ريال، وبموجب القانون الدولي يجب أن يُطبَّق على الجميع، سعودي أو غير سعودي، بمعنى أن عامل النظافة والسائق وغيرهما من إخواننا الذين يعملون معنا سترتفع رواتبهم لهذا الحد، وهذا يعني أننا سنرفع تكاليف ما لا يقل عن 7 ملايين أجنبي عشرة أضعاف من أجل توظيف نصف مليون سعودي. كما أن من سلبيات هذا القرار قتل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وقتل الصناعة في البلد، وسيتسبب في إغلاق مصانع وشركات.
أضف إلى ذلك أن القرار لن يحقق الهدف المنشود منه، وهو تشجيع الموظف السعودي على العمل في القطاع الخاص؛ والدليل على ذلك أن الحد الأدنى للأجور في سوق العمل قد تم تطبيقه قبل شهر في بعض المطاعم السريعة؛ إذ بلغ الراتب 5000 ريال، ومع هذا لم تنجح هذه المطاعم في استقطاب السعودي، بل إن الحد الأدنى للأجور في هذه المطاعم زاد على الحد الأدنى للأجور في أمريكا، ومع هذا لم تكن مشجعة للعاطل عن العمل.
القطاع الخاص لو أعلن وظيفة بستة آلاف لن يتقدم أكثر من 50 شخصاً، والحكومة لو أعلنت وظيفة بأربعة آلاف لتقدم اثنا عشر ألف شخص؛ لذا يجب أن تفهم وزارة العمل أن بطالتنا اختيارية، وأن العاطل عن العمل يرغب في وظيفة حكومية مهما قلَّ راتبها، ولن يقبل بوظيفة في القطاع الخاص مهما زاد راتبها، وأن (نطاقات) كافٍ لجعل القطاع الخاص يوظف السعودي، ولا يحتاج لقرارات تربك سوق العمل، وتزيد من التضخم على المواطن.
المعيار الحقيقي للتوظيف وفي تحديد الراتب هو الإنتاجية، وليس الجنسية. يجب التركيز على تغيير ثقافة العمل، ورفع الإنتاجية، وزيادة تنافسية الموظف السعودي، وهي بدورها ما سيزيد الطلب على الموظف السعودي، وسيزيد من راتبه.