لطالما كان ندائي عن القوة والصمود.. والتحدي والإصرار.. كأنما وضعت على متن الإنسان فوق الحمل أحمالاً ثقالا.. ورغم ذلك يبقى للحزن قداسته وهيبته.. لحظة تتهشم الأحلام.. وتذوب الأقنعة عن وجوه الأصدقاء.. وترى في محافل الفرح تزلفٌ ونفاقٌ يقصيك عن أصحاب الحل والربط.. ويقرب الوشاة والمنافقين منهم رغم فارق الصدق والإخلاص.. وتتوه بك الظنون.. حتى يغمرك الشك ويجذبك القاع نحو مصير بهيم لا تبصر في ظلمته حتى نور الروح التي غلظت الأيمان يوماً.. فبنيت إيمانك لأجلها على أن الصدق منجاة.. والوضوح طهرٌ.. والتعاون نجاح.. والإيثار سجية العظماء.. فإذا المعايير مختلفة.. ويختال الفساد بينهم.. ويسخر من كل مبادئك التي تركتك في منفى الشرف وحدك!
فهل يكفي الشريف نقاؤه؟ لحظة ينزوي بحقائبه المكتظة بالواجب والضمير والعدالة والحرية.. هل يمكنه أن ينفي عند انسحابه أنه جبان.. واختار أن ينجو بنفسه ويترك للمتلاعبين ساحة المعترك.. لمجرد أن يترفع عن النزال مع من اعتبرهم خونة وجبناء!
من يمكنه أن يحدد إن كان الانسحاب نصرٌ آخر في هيئة كبرياء وشموخ.. أم هزيمة كسرت قلباً ضعيفاً.. لم يستوعب أقسى دروس الزمان وأن الإنسان لا يرضى الهزيمة حتى في لعبة.. فكيف بحياته وأحلامه وطموحه!
أن تخفي حزنك عن عين شامتة لا يعني أن تنكره.. لأنك حينها تنفي إنسانيتك.. وطبيعتك.. فالحزن شعور مهيب عندما لا يزار إلا لماماً..ليسعّر في الإنسان نار التحدي من جديد.. أما الركون لحضنه فهو اختناق وموعد عاجل مع الموت.. بل هو الانتحار.
تراجع قليلاً.. وخذ للأحداث تصور مختلف.. وأسرج خيل الفكر وعد بقوة العدة والعتاد.. واحمي صدرك فإن القلب يشغل الحواس إن تلاطمت أجراسه.. وجدد عهدك بنفسك لتعرف لمَ تقاتل.. وأين وجهتك التي فقدتها ذات انهيار.. لا يخيفك كيدٌ.. فإن كل مؤامرة يقلقها ارتباك الخطيئة.. والمبالغة في الانتقاد نفي خفي للتهمة.. ومن يشتغل في الظلام يرعبه النور ويكشف عورته.. فعين الحق تجاهر بالنظر ولا تبالي.. وعين الباطل تدور من غير هدى في محجرها تبحث عن غطاء يستر عريها.
ولتعرف ماذا يمكن أن تخسر.. على أقل تقدير لن تخسر إلا مزيداً من وزن زائد من البشر لا تحتاجهم.. إن لم يكنوا منذ البداية مجرد عائق سقط في طريقك على حين حسد أو غيرة.. أو غباء.