المشاكل والغموض وتبعاتها التي تقتات على أعصابك وصحتك وحريتك.. كلها أشبه بعُقد حبل التفت حول ذاتها على غير هدى.. وتورطت بمسارها الذي بات مغلقاً وغير واضح المعالم.. وفي حل العقد تتفاوت مهارات البشر وحكمتهم.. فمن غضب أو تسرع وتصرف تحت أي ضغط عاطفي.. سيجتثها ويرمي بها تاركاً مكانها دامياً أو مشوهاً.. ولسوف يعدد خسائره.. ويصرف ضعف ما قدم وقت البناء.. فالترميم مهمة قاهرة ناهبة.. تكرر عليك مع كل زفرة وحسرة كيف كان الاختيار غير موفق.. وكيف كانت الثعالب تنهش من غلة البناء دون أن تعلم شيئاً.. فهو درس ثقيل مثله مثل النصيحة التي تقول لك وبطريقة ملتوية.. ظاهرها التهذيب والمصلحة وفي قلبها غرور الحكمة وادعاء العلم والفضيلة: «أنت فاشل.. مُخطئ.. غبي.. جاهل.. مذنب.. إلخ».
وإن تنحيت قليلاً حتى تهدأ ثائرتك.. وتتضح الرؤيا أمامك.. ومنحت نفسك فرصة تأمل العقدة لتعرف المنعطف الذي فقدت فيه ترتيبها.. ستكون دليلك أيضاً إلى أضعف نقطة يمكنك من خلالها أن ترخي تشنجها.. حتى يتسنى حلها بهدوء لا يعرف المشاعر العاصفة التي تسلب أدواتك مهارتها.
أما من يعقد فوق العقدة أخرى.. تتحول مسارات حياته إلى شبكة فوضوية لن يعرف لها بداية أو نهاية.. وهو الشاكي الباكي.. صاحب العيون الرطبة.. والظهر المنحني.. المظلوم أبداً.. المهدور حقه.. يصور لك أن الحياة بإنسها وجنها.. تآمرت عليه لتسحقه!
فالتذمر.. والشكوى.. رفيقا سوء ما أن يصاحبهما إنسان.. حتى تودعه قدراته.. وحكمته.. ويغدو مزعجاً تافهاً.. تشمئز منه النفوس الشريفة.. لأن من وقع تحت تأثيره ربما تغيرت مشاعره تجاه أناس لم يعاشرهم ولا حق له أن يبخسهم قدرهم بناءً على وكالة الباكون.. أو اتخذ موقفاً ضدهم دون مبرر ولو كان مجرد حديث نفس لم يغادر صدره.. لأن صاحبنا «أبو دمعة» يعزف على وتر العاطفة.. تعرفه في تبرئة نفسه من المسئولية في أغلب مواقفه وشرحه وتبريره.. ويقذف باللائمة على الآخرين.. كأنما هو بلا حول ولا قوة.. ولم يفعل شيئاً عدا أنه مثال الطهر والنزاهة والطيبة!
يصدقه الطيبون.. والسذج.. ولا يطلبون دليلاً ويكتفون بمصداقية الدور الدرامي الذي لا يتقن سواه.. ومدى قدرته على الاستئثار بتأييدهم المبني على الهراء والغباء.
فالمواقف إنما تبنى على الحقائق الجلية.. وليس الولولة والنياح.. فلا الصوت العالي.. ولا حشرجة العبرات.. لها اعتبار في ميزان العدالة.. فقط الحقيقة ولا شيء غيرها.. فكم حرباً نشبت من بوابة العاطفة اللعوب!