قال اقتصاديون بأن المملكة بحاجة ماسة إلى زيادة مستوى التطوير والأبحاث، ورفع وتيرة الابتكار في قطاعي النفط والبتروكيماويات خاصة في ظل التحديات التي يشهدها قطاع النفط مع ظهور النفط الصخري على المشهد الدولي، وأكدوا أن اقتصاد المملكة يعتمد على إيرادات النفط وبالتالي إعداد كوادر وطنية لهذا القطاع يصبح مطلبا مهما تفرضه الضرورة. وقالوا إن هناك نقصا حادا في تخصصات مهمة للاقتصاد والحاجة إليها مستديمة مطالبين وزارات التربية والتعليم والتعليم العالي والعمل والاقتصاد للخروج بخطة وطنية واضحة المعالم بأهداف محددة بالأرقام للتخصصات المطلوبة والمستوى التعليمي الملائم لاحتياجات ومتطلبات المرحلة المقبلة وقال خبير الموارد البشرية بندر بن عبد العزيز الضبعان: ليس من المعقول أن لا تتوفر في بلد بحجم المملكة إلا جامعة واحدة تعنى بالبترول (جامعة الملك فهد للبترول والمعادن) من أصل 25 جامعة حكومية، معظمها يدرس تخصصات نظرية لا يحتاج إليها سوق العمل وتساءل: أليس من الممكن تحويل بعض الجامعات إلى جامعات متخصصة في دراسة النفط والبتروكيماويات وأضاف: النفط هو عماد الصناعة في هذا الزمن، ونحن إذا كنا نصدر النفط ومشتقاته ومنتجاته، فإننا نستورده في صورة منتجات أخرى نستهلكها بدلا من أن نصنعها،كما أن تعرُّض قطاعي النفط والبتروكيماويات في دول الخليج بشكل عام إلى تحديات، يعرِّض اقتصادات المنطقة إلى هزة لا تمس المداخيل الوطنية فحسب، بل تمس مستقبل المواطنين العاملين في القطاعين. وقال الضبعان إن عدد العاملين في قطاع البترول والبتروكيماويات على مستوى الخليج يبلغ 80 ألف عامل فقط 44% منهم من مواطني دول المجلس والباقي 56% أجانب حسب إحصائيات2011 مشيرا إلى أن المملكة تعد أكبر دولة خليجية من حيث عدد العاملين في قطاع البترول والبتروكيماويات، حيث تضم 58 ألف موظف، وتبلغ نسبة التوطين 52% وأكد الضبعان على الحاجة إلى زيادة مستوى التطوير والأبحاث، ورفع وتيرة الابتكار، خاصة في ظل التحديات التي يشهدها قطاع النفط مع تصاعد النفط الصخري.
ولا يكفي أن نشغل أنفسنا، ونستهلك طاقتنا ومواردنا لإنتاج النفط وتصنيع منتجاته، بل علينا أن ننشغل بإنتاج المعرفة›› المرتبطة بالنفط، فنحن رغم تصدرنا في إنتاج النفط، إلا أننا ما زلنا في مرحلة غير مرضية في إنتاج المعرفة ‹›النفطية›› والابتكار المرتبط بها.
ورأى الضبعان أن توفير فرص التعليم والتدريبالمرتبطة بالمعرفة النفطية›› مع تكثيف الجهود الحكومية والخاصة في مجال التطوير والأبحاث، سيسهم في توسيع قاعدة هذا القطاع وفتح أسواق جديدة له، وبالتالي يستوعب المزيد من الشباب والفتيات. من جهته قال الاقتصادي علي الجحلي إن أغلب دول المنطقة تعاني من إشكالية حجم العمالة الأجنبية التي تنتشر بسبب عدم توافق المكونات الديمغرافية مع المتطلبات الاقتصادية التي تفرضها عمليات استغلال الموارد وتمنحها لهم الوفرة التي تصب إيراداتها في الاقتصاد. وأضاف: تمنح هذه الفجوة التي تضيق باستمرار خصوصاً في المملكة الفرصة للدولة لإنشاء جيل قادر على التعامل مع التقنية والتفاعل مع البنية الاقتصادية التي تكونها مصانع ومرافق الدولة. يستدعي هذا أن يتم تطوير التعليم وتوجيهه بالشكل الذي يغطي احتياجات الدولة. مشدداً بأن المملكة تعاني من فجوتين أولاهما بين مخرجات التعليم العام ومتطلبات التعليم العالي والثانية بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل. وقال إن الكثير من الخريجين يقعون ضحايا للتخصص الذي لا يحتاجه سوق العمل, وفي نفس الوقت نجد نقصاً حاداً في تخصصات مهمة للاقتصاد والحاجة إليها مستديمة.
هذه الإشكالية يجب أن تقض مضاجع مسئولي التربية والتعليم والتعليم العالي والعمل والاقتصاد للخروج بخطة وطنية واضحة المعالم بأهداف محددة بالأرقم للتخصصات المطلوبة والمستوى التعليمي الملائم لاحتياجات ومتطلبات المرحلة. وبما يضمن استمرارية الرخاء الاقتصادي بعيداً عن الموارد الطبيعية القابلة للنضوب, كما هو الحال في اليابان وسويسرا ودول أخرى فقيرة في الموارد الطبيعية ولكنها غنية بمواردها البشرية التي تصدرها لنا اليوم. ودعا الجحلي إلى ضرورة أن يشترك في رسم هذه الخطة الوطنية للموارد البشرية شركات كبرى تعمل في مجالات النفط والاتصالات وتقنية المعلومات والمجالات الإنسانية الأخرى. فبدون خطة رقمية علمية يمكن تقويمها ومراقبتها, سيستمر العمل العشوائي الذي يعتمد على الدولة في توظيف كل الموارد البشرية, لتبقى مجالات العمل التي تخدم مستقبل الإنتاج والخدمات بأيدي الموارد البشرية الأجنبية التي تغادر ما إن ينتهي الصرف على مجالات عملها. وترى منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) أن الدول العربية تواجه تحديات حقيقية في مجال التنمية البشرية ناتجة عن الزيادة المستمرة والسريعة في عدد السكان.
وذكرت «أوابك» في نشرتها الشهرية الأخرة أن زيادة السكان ينتج عنه زيادة في معدلات استهلاك الطاقة والضغط على البنية التحتية وارتفاع معدلات البطالة وتراجع مستوى التعليم. ولفتت إلى أن تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2012 يصنف الدول العربية ضمن الدول ذات التنمية البشرية المتوسطة وهو ما يبين مدى الحاجة لإعادة رسم السياسات السكانية والتعليمية في الدول العربية.
وأوضحت «أوابك» إلى أن أحد تقارير منظمة العمل الدولية يشير إلى أن كل وظيفة جديدة في مجال الإنتاج أو التكرير تنتج عنها تهيئة فرص وظيفية جديدة عدة غير مباشرة في مجالات بترولية أخرى. وقالت بأن من يدير آلة الصناعة البترولية يجب أن يكون مواكباً لحركة التطور المستمر للصناعة، حيث أفضت التطورات المتسارعة في صناعة البترول عالميا إلى نشوء تحديات غير مسبوقة تتركز بصورة كبيرة على القدرات والإمكانيات البشرية للعاملين في الصناعة النفطية.
وقالت إن استمرارية دول المنظمة كمزود رئيسي مرهون بعوامل عدة من بينها امتلاكها لكوادر بشرية مؤهلة قادرة على الاستفادة من الوسائل التقنية.